IMLebanon

علامات إستفهام وتعجّب تواجه «القطب المخفية»

علامات الإستفهام، تتآلف وتتكاتف مع علامات التعجب، ليتشكل منها جملة من الأجواء الحافلة بالغموض والحذر والتخوف والتحسب.

ما نشهده من مستجدات ومفاجآت واقتحامات عسكرية طائلة وقادرة ما زالت منذ أسابيع عديدة، تحرز انتصارات كاسحة مستغربة، وضعت دول هذه المنطقة جميعاً على أبواب مخاطر واحتمالات مفزعة إستدعت «انتفاضة» أميركية أسفرت عن هبات ساخنة طاولت ما يزيد على أربعين دولة غربية وشرق أوسطية ما لبثت أن تجمعت في ذلك الحلف الذي أخذ على عاتقه محاربة الإرهاب المتمثل بدولة الخلافة الإسلامية وجيوشها الداعشية، علامات إستفهام وعلامات تعجب تطاول عشرات من القطب المخفية التي يشغل لها بحذق وحنكة وخبث تآمري، ومما لا شك فيه أن صاحب هذه القطب الخفية والمخفية الأول والأفعل، هو الولايات المتحدة.. «ما غيرها».. أميرة التخطيط وسيدة التآمر وملكة المتآمرين على مدى هذه الكرة الأرضية بأسرها.

ما زالت القطبة الأشد اختباءً واختفاءً تتمثل في التساؤل الذي بات يضج في كل الأجواء: من هي داعش لتستدعي إنشاء ائتلاف ضم في جنباته المختلفة ما يزيد على أربعين دولة، في طليعتها القيادية أقوى وأطغى دول العالم، الولايات المتحدة الأميركية، ومن بعدها الدول الكبرى الأوروبية، ومن بعدها، نخبة من الدول العربية والإسلامية، ومعظمها ينحدر من درجة القيادة إلى موقع الإنقياد.

من هي داعش، وما هو وزنها، وحجمها الحقيقي، لتطغى وتتوسع في المنطقة العربية، ولتشن عليها الحروب الإقليمية والدولية، على هذا المدى الواسع والشامل، عن طريق الجو والبحر من خلال الطائرات الأميركية وحاملاتها،وبواسطة ملحقاتها الأوروبية والعربية وتهيأ الأجواء في هذه الأيام لمحاربتها براً من خلال قوى محلية، وتجري عمليات التحمية لها على نار باردة تأخذ كل وقتها، وتؤخر كل فعلها، في جملة من القطب الخفية، ولغايات تكمن في نفس يعقوب.

هل صحيح أن الحرب الجوية التي أطلقها حلف الأربعين دولة قد عجزت حتى الآن عن ردع داعش ومنعها من ابتلاع مزيد من الأرض والمناطق والمدن والقرى ولجمها عن إرتكاب مزيد من المذابح وإطلاقها بشتى وسائل الإعلام المرئية والإلكترونية لبث الرعب لدى كل ناظر ومراقب ومستطلع على مدى هذه الدنيا الواسعة؟ هل صحيح أن داعش بهذه القدرة التي تعجز تجاهها حتى الآن كل القدرات وكل الطاقات التي واجهتها، وإلى الحد الذي ما انفك الجهبز الكوني الرئيس أوباما، يبشر الدنيا قاطبة بذلك الخبر الذي يطلقه من وقت إلى آخر، يفيد بأن محاربة داعش تستدعي إعداد جيوش محلية في كل من سوريا والعراق، يتطلب تدريبها وتسليحها وإعدادها ما لا يقل عن سنة مقبلة، وإن القضاء على داعش يستدعي مواجهة ومجابهة شبه كونية تستغرق بعون الله، وعون الولايات المتحدة والأربعين دولة… ثلاث سنوات.

لقد سبق أن مرت على هذا العالم، حربان رئيسيتان استقطبتا إليهما القوى الدولية كافة، وجميع جحافل الدول العظمى والوسطى، فاستغرقت كل من الحربين العالميتين بضع سنوات كانت الغلبة في نهايتهما لمحور منتصر على محور منهزم، وها نحن اليوم أمام حشد دولي هائل، يتكتل ويتحالف ويجمع طاقاته بدوله الأربعين، في مواجهة داعش، التي يبدو حتى الآن أنها تكاد أن تعادل وتوازن دول التحالف جميعاً.

ولكن… مهما كانت القطب خفية ومخفية، ومهما كثر الخياطون والطباخون والمخططون والمتآمرون، لن يصدّق عاقل ما تراه عيناه ويلمسه عقله، لن يصدق أحد أن القضاء على داعش يستدعي كل تلك القوى وكل ذلك الوقت، اللهم الاّ اذا خيط الخياطون ثوباً من صناعة تآمرية وطبخ الطباخون وليمة ذات مصدر حافل بالخبث ومجبول  بالمصالح الإقتصادية والنفطية وتحقيق أرباح خرافية من تجارة الحروب وإزكاء تجارة الأسلحة الهائل في مردوده المالي والسياسي والعسكري.

وها هي القطب الخفية تظهر إلى الوجود بنتائجها الإجرامية المذهلة، ها هو الوضع السوري مستمر في استقطاب كل عناصر الإجرام والمجرمين في العالم يحتمي بهم عسكرياً ومعنوياً، ويخلق من خلالهم ستراتيجيا دفاعية شديدة المكر والخداع، مكنته حتى الآن من خلط الحابل بالنابل، مستفيدا من إغماض العيون المقصود عن كل جرائمه الواضحة والثابتة والمؤكدة بالوثائق الدامغة، والأحداث الجرمية الفاضحة، وها هو التمييز بين أوضاع عربية وأوضاع كردية قائم على قدم وساق فتحشد القوى وتتخذ القرارات القاطعة في كل ما تتمثل في أرضه وعمقه، جملة من المصالح الأميركية والغربية، وتترك على حدة مشبوهة، كل أرض عربية، تعبث بها الديكتاتوريات ذلك العبث الغاشم الذي اوقع فيها على مدى سنوات دامية وملتهبة، جملة من المآسي والمظالم التي تكشف الأيام مزيدا من السعي التآمري لدى من بيدهم مقاليد الحول والطول في العالم إلى ترك هذه البقعة العربية المليئة بالثروات النفطية والمواقع الإستراتيجية وتحوم من حولها وتخترقها في صلبها مطامع ومطامح الكثير من الدول التي يتلاقى بعضها في هذه الأيام على محاربة داعش، ظاهراً، وتختلق زمراً وتحالفات وقوى يضرب بعضها بعضاً وتتقاتل ما بين مجموعاتها وتفرقاتها وفئاتها وطوائفها قتالاً قد لا تقوم لها قيامة من بعده، فترضى عن ذلك كل الرضى عصابات المصالح الدولية التي تقف قواها الظاهرة والكامنة خلف كل هذه الزلازل التي تسود العالم العربي والإسلامي في هذه الأيام حالكة السواد وشديدة المخاطر، والمرتكزة على أكداس من القطب المخفية.

في ظلال هذه الأحداث العاتية، نسينا جميعاً أن هناك قطعاناً من الذئاب المسعورة الكامنة في حجورها الممتدة على مدى دولة اسرائيل، ونسينا أن ما يجري الآن من مستجدات مذهلة، يجعل من الدولة الصهيونية في الموقع الآمن المستقر والمتحفز للإنقضاض من خلف الصفوف المتقاتلة فيما بينها، على ما امكنه من امتدادات هذا الوطن العربي التعيس، ويبرز للعلن… يوماً بعد يوم، مزيد من القطب المختفية السابحة وسط مئات من علامات الإستعلام والإستفهام وإشارات الذهول والتعجب. إنها الأيام العجاف، وثمراتها لا يمكن إلاّ أن تكون من صنفها ومن طبيعتها.