السؤال: لماذا يخوض باسيل معارك بالنيابة عن إيران والنظام السوري و«حزب الله»؟
مِن مرسوم التجنيس إلى الحرب على مفوضية اللاجئين… بانتظار بلورة استراتيجية ترامب حول لبنان
التباطؤ لإخراج التركيبة الوزارية يدل على إشارات غير مشجعة لتأليف سريع ومخاوف من تصاعد حدّة المواجهة الأميركية – الخليجية – الإيرانية!
ينمّ مرسوم التجنيس الذي حوى أذرعاً اقتصادية للنظام السوري، والحرب التي شنّها وزير الخارجية جبران باسيل على المفوضية العليا للاجئين، من باب عرقلتها عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، أن مفهوم لبنان الدولة والمؤسسات أضحى بحاجة إلى مراجعة.
فالمرسوم، الذي طالب البطريرك الماروني بسحبه – وهو من داعمي العهد – مع غيره من القوى السياسية لا يمكن قراءته إلا من منظار سياسي، إذا كانت شبهة الفساد لا يجوز ربطها برئيس الجمهورية. غير أن تلك القراءة تطرح كثيراً من علامات الاستفهام حول تيقّن القيّمين على السلطة من دقة المرحلة التي تمرّ بها المنطقة، في ظل الاستراتيجية الأميركية – الخليجية لمحاصرة إيران وأذرعها العسكرية، حيث يشكل لبنان جزءاً من مناطق ممارسة هذا الحصار، كما تشكل سوريا الميدان لتحجيم هذا النفوذ.
والقول أن عملية التجنيس هدفها جذب أموال إلى البنوك اللبنانية يشكل فضيحة كبرى، ذلك أن تلك الأسماء – إذا لم تكن تشملها العقوبات أو مُدرجة على لوائح سوداء وكانت أموالها نظيفة – يمكنها أن تُودِع في المصارف اللبنانية بجنسيتها الأصلية، وليست بحاجة إلى الجنسية اللبنانية التي لن تستطيع أن تتخفى وراءها في نهاية المطاف.
وحرب باسيل على مفوضية اللاجئين في ظل وجود وزير لشؤون النازحين ووزير للشؤون الاجتماعية، وفي ظل غياب قرار لمجلس الوزراء، تطرح هي الأخرى تساؤلات عن أسباب توقيت هذه المعركة في الوقت الضائع مع حكومة تصريف أعمال، وفي تجاوز جليّ لصلاحيات مجلس الوزراء ورئيسه. ولعل الأهم ما تطرحه من تساؤلات حول مرامي تحوّل وزير الخارجية إلى رأس حربة في هذه المواجهة، حيث ستجد القيادات المسيحية نفسها – سواء القوات أو الكتائب من منطق المزايدات ضمن البيئة المسيحية – شريكة في المعركة في وجه المجتمع الدولي، في وقت يقف «حزب الله»، شريك النظام السوري في القتل والتهجير، موقف المتفرّج. السؤال يكمن في ماهية المصلحة اللبنانية في هذا التوقيت الحرج من خوض معارك بالنيابة عن إيران والنظام السوري و«حزب الله»، وما معنى أن يخرج رئيس الجمهورية – في ظل عدم وجود حكومة – كي يخوض معركة العودة من دون انتظار الحل السياسي الذي سيطول انتظاره؟ النقاش هنا لا يتجاهل وجود أزمة نزوح لكن أولى متطلبات نجاح الحلول في شأنها تتطلب وجود خطة تلبس لبوساً وطنياً لا طائفياً فيما الحرائق المذهبية والطائفية تغزو المنطقة.
هذه الطريقة في خفة التعاطي بما يخص المرسوم من شأنها أن تكشف المصارف اللبنانية وتضعها تحت سيف العقوبات، فيما التعامل الرسمي مع أزمة النزوح وما يرافقه من انقسام سياسي حوله من شأنه أن يكشف لبنان داخلياً كما يكشفه تجاه المجتمع الدولي الذي لا يزال يوفر مظلة أمان للبنان بفعل عامل استضافة النازحين السوريين وضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي منعاً لنزوح جديد ستكون أوروبا وجهته عبر شواطئ لبنان وعمليات تهريب البشر غير الشرعية.
لا يُسْقِط المراقبون من حساباتهم أن حملة باسيل لها أبعاد تتعلق بالطموحات الرئاسية. قبل الانتخابات النيابية وتشظي العلاقة مع «حزب الله»، كان منظرو الحزب يؤكدون أن ملف النازحين سيكون هو عنوان ترميم العلاقة، وهو ما بدا صائباً في قراءتهم. غير أن ثمة من يرى أن إثارة هذا الموضوع في خضم تأليف الحكومة لا يمكن النظر إليه بعيداً عن محاولات الضغط على الرئيس المكلف. جانب من الضغط له علاقة بحجم الحصص الوزارية، لا سيما في ظل الخلاف القائم بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» على حجم حصة كل منهما وسط اعتبار القوات أنها حصدت حصة متساوية نسبياً مع «التيار»، ووسط ما رشح من معلومات عن رسائل تبلغها الحريري عن رفض تحجيم «القوات» أو إحراجها لإخراجها، بغض النظر عن الاقتناع السائد بأن وجود «القوات» حاجة للحريري نفسه، نتيجة اختلال التوازن السياسي الداخلي الذي أفرزته الانتخابات النيابية.
وإذا كان التباطؤ في حركة الاتصالات لإخراج التركيبة الوزارية يدل على وجود إشارات غير مشجعة لتأليف سريع وانتظار ما تشهده المنطقة من تطورات متسارعة وما سيسفر عنها لا سيما في اليمن والعراق، فإنه من غير الواضح بعد اتجاه البوصلة الأميركية حيال لبنان بعد تأكيد وزارة الخارجية الأميركية بأن لا فرق بين جناح عسكري وجناح سياسي في «حزب الله»، واعتباره منظمة إرهابية بشقيّه. ففي وقت ينقل سياسيون عن دبلوماسيين في السفارة الأميركية في بيروت أن موقف الخارجية الأميركية لا يزال كما كان عليه سابقاً لجهة عدم تسلّم وزراء من «حزب الله» لوزارات أمنية ولوزارات مرتبطة ببروتوكولات تعاون دولية، على غرار تلك الموقعة مع وزارتي التربية والصحة، فإن أوساطاً في اللوبي الأميركي من أصل لبناني قريبة من ترامب تشير إلى وجود رأيين في واشنطن، الأول يتمثل بما تعبّر عنه سفارة بيروت والتي تعتبر سفيرتها من طاقم الخارجية القديم الذي لا يعكس توجهات الرئيس الأميركي ووزير الخارجية، الذي لم ينته بعد من تشكيل فريق عمله بالكامل. والرأي الثاني يمثله الأمن القومي الذي يجسّد تطلعات ترامب، والذي يبدو متشدداً حيال وجود «الحزب» في الحكومة، رغم إشارة هؤلاء إلى أن «البيت الأبيض» لم يصل بعد إلى وضع تفاصيل استراتيجية تعامله مع لبنان بشكل عام.
ما يشير إليه هؤلاء أن جلّ ما يهم فريق ترامب راهناً هو تمكين القوى الأمنية من بسط نفوذها بشكل أقوى في المناطق التي تتواجد فيها خارج مناطق نفوذ «حزب الله» وحماية تلك المناطق بقبضة أمنية تمنع تسرّب «الحزب» إليها. فما ألمح إليه وزير الخارجية مايك بومبيو من تعبير إعادة النظر بالمساعدات الأميركية يهدف، وفق هؤلاء، إلى درس سبل الإفادة من المساعدات بالطرق الفضلى والذهاب إلى طرح موضوع إعداد خطة أمنية بهذا الشان، وهي مسألة يقول هؤلاء أنها ستكون جزءاً من بنود البحث مع قائد الجيش الذي يُفترض أن يزور الولايات المتحدة الأميركية في غضون أسابيع.
على أن اللافت مع احتدام المشهد الإقليمي وتصاعد المواجهة الأميركية – الخليجية – الإيرانية ومحاولة ممارسة ضغوط على لبنان، هو عودة التساؤل عما إذا كان من الممكن العودة إلى استخدام سلاح الاغتيالات على الساحة اللبنانية في لعبة الرسائل والرسائل المقابلة!.