يحتاج لجم «داعش» والقضاء عليه وعلى خَطَرِهِ الى ذلك الحشد الاقليمي الدولي الاستثنائي الذي لم يسبقه شيء مماثل في المنطقة إلاّ ذلك الائتلاف الذي بناه الرئيس جورج بوش الأب لإخراج صدام حسين من الكويت بعد ان ارتكب في حقها وحق هلها جريمة غزو أرادَه إنهاءً لوجود تلك الدولة العزيزة، فإذ به (الغزو) يتحوّل منطلقاً لإنهائه وانهاء سلطته تماماً.. ولو كان الفارق الزمني بين الحدثين قارب الـ13 عاماً!
لكن المقارنة الشكلية تطرح أسئلة جوهرية: إذا كان ذلك الائتلاف تمكّن من تحرير الكويت وإعادتها الى أهلها في غضون ستة أشهر هي الفترة الممتدة من لحظة بدء الغزو الى لحظة القضاء عليه، فلماذا يحتاج القضاء على «داعش» الى سنوات وسنوات على ما قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بالأمس مردداً ما سبق وان قاله أوباما قبل أيام؟
واذا كان اختلاف طبيعة الحرب بين الأمس واليوم، لجهة اقتصارها هذه المرة على القصف الجوي دون الحشد البري على الأرض، سبباً لافتراض وتوقع طول مدتها، فان الحرب على ميلوسيفيتش وصرب البوسنة اقتصرت على القصف الجوي ولم تأخذ سوى اسابيع معدودة (78 يوماً) قبل أن تضع أوزارها وتنهي تلك المذبحة الأولى من نوعها في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؟
في الأمر التباس يحتاج الى توضيح: هل «داعش» اليوم أقوى من قوات صدام حسين في الكويت في العام 1990؟ واقوى من قوات ميلوسيفيتش في العام 1999؟! وهل يحتمل الوضع السوري وكل تداعياته على المدار المحيط ذلك الترف في التقسيط المريح لهذه الحرب؟!
.. ثم في بعض التفصيل: كيف يمكن «داعش» ان يستمر (مثلاً) في حصار عين عرب (كوباني) الكردية من مختلف جهاتها فيما الحملة الجوية ضدّه في أوجها؟ واذا كان التنظيم الهمجي هذا يعتمد التمويه وإخلاء مقاره داخل المدن والبلدات ويختفي داخل الأحياء السكنية، فانه حول عين عرب واضح ومكشوف وموجود ومنذ أكثر من اسبوعين، فلماذا لا يُستهدف؟! ولماذا لا تُلبّى نداءات الاستغاثة لعشرت الالوف من سكانها المحاصرين؟ ولماذا لا يحظى مقاتلو البيشمركة الذين يدافعون عن المدينة بغطاء جوي من طائرات التحالف؟!
قادة الحملة الجوية يعرفون ماذا يفعلون، لكن اهالي عين عرب لا يعرفون ما هو المصير. وهم بالتأكيد يريدون تحركاً انقاذياً سريعاً يقيهم شرور الذبح والتشريد والسبي والبلايا السوداء.. وقادة الحملة يعرفون، لكن أهل سوريا أولاً وأهل دول المدار المحيط ثانياً لا يعرفون لماذا تحتاج الحرب الى سنوات وسنوات!.. أم ان القضاء السريع على «داعش» سيعني القضاء السريع على الأسد، وهذا بديله لم ينضج تماماً بعد؟
.. طال ليل سوريا. وطافت نكبة أهلها. فماذا بعد؟!