رهان على «خميرة» المسيحيين و«سراج» المسلمين
أسئلة حول تحصين الاعتدال وإصلاح المؤسسات الدينية
«اذا كان مسيحيو لبنان هم خميرة مسيحيي الشرق وبوصلتهم، فإن مسلمي لبنان هم عنوان اعتدال هذا الشرق وسراجه وحتى أمله». هذا ما يقوله أسقف ماروني في الرد على من يبدي الخوف من إحكام قبضة التطرف على لبنان.
للأسقف أمنياته الشخصية بـ «حملة إصلاح مرجو عند المسلمين تقوم بها المرجعيات الدينية والفقهية». لكنه، والإسلام جزء من اختصاصه، لا يسمح لنفسه بإبداء الملاحظات، فهذا برأيه «واجب رجال الدين المسلمين في الدرجة الاولى، كما أنه واجب كل مسلم يحرص على إظهار حقيقة إيمانه ومعتقده بعيداً عن إسقاط الأيديولوجيات السياسية على الدين».
يبدي الأسقف الماروني إعجابه بكلام للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يدعو فيه الأزهر الى «ثورة دينية للتخلص من أفكار تم تقديسها على مدى قرون، وإعادة قراءة النصوص بفكر مستنير». وتمنى الأسقف أن «يبادر الأئمة ورجال الدين والعلماء المسلمون اللبنانيون، وهم كانوا رواداً في هذا المجال، الى مقاربة المواضيع الشائكة والجدلية ليكونوا من جديد بوصلة للشباب في كل العالم العربي ترشدهم الى حقيقة دينهم ونبل رسالته».
إذا كان الأسقف ينطلق في كلامه من خلفية إنسانية ودينية، إلا أن سياسيين مسيحيين كثراً يشاركونه الرأي بأن المسلمين اللبنانيين هم أهل اعتدال وانفتاح، «يشهد لهم بذلك تعايش تاريخي بينهم وبين المسيحيين، وسلوكيات حياتية لم تقو عليها كل موجات التطرف».
ومع أن هذا الكلام يرتكز الى «المحمول الثقافي والإنساني والمجتمعي»، فإن السياسيين يترجمون هذه الكلمات الى «أداء سياسي ومواقف من قضايا صغرى وكبرى في حياتنا اليومية»، على ما يشير سياسي وسطي ينطلق من «إنجاز القضاء على إمارة سجن رومية الذي لقي حاضنة إسلامية، سنية تحديداً، وصولاً الى إحداث جرود الضنية عام 2000 مروراً بعملية نهر البارد وعبرا». يضيف «مع التأكيد على الدور الأساسي لتيار المستقبل في هذا المجال، إلا أن الساحة الإسلامية السنية تزخر بالمعتدلين حتى من خصوم هذا التيار، مما يؤكد أن الاعتدال والتسامح وقبول المختلف هي مكونات من صلب هذا المجتمع».
يمكن تقديم طرابلس والشمال مثالاً شديد الوضوح والدلالة على ذلك. يقول السياسي الوسطي «من لا يعرف بؤس الأوضاع في بعض مناطق الشمال، وتراجع أدنى مقومات الحياة الكريمة فيها، لا يمكنه ان ينظّر في التطرف والاعتدال. فهذه المنطقة المنسية والمهملة، وربما المعاقبة، منذ عهد الاستقلال الى اليوم، تعاني ضغوطات اجتماعية واقتصادية وإنسانية هائلة، إضيف اليها إحساس يتعاظم بالتهميش والاستهداف السياسي، ازداد مع الازمة السورية، وتركها مسرحاً مفتوحاً للشحن وتنفيس الاحتقانات. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل ما ترزح تحته، كم يبلغ عدد الشباب المضللين فيها؟ مئة؟ خمسمئة؟ ما نسبة هؤلاء من اهل الشمال؟ ليس من دون دلالة أن هؤلاء الشباب لا يُعلِمون حتى اهاليهم بمقاصدهم ووجهتهم وتطرف ميولهم. وليس من دون دلالة استغراب اهلهم لسلوكيات أبنائهم واستنكارهم لها، إلا في حالات شديدة الندرة».
هذه القراءة تتوافق مع كلام نائب حزبي مسيحي يعتبر ان الرهان وحده على هذه المقومات لا يكفي. المطلوب، بحسب النائب، «العمل على خطوط متوازية. الخط الاول اعادة بسط سلطة الدولة وهيبتها. هذا لا يكون فقط بالحسم العسكري، وهو مطلوب بشكل قاطع، إنما يجب ان يترافق مع خطط إنمائية واسعة. والخط الموازي هو إعادة التوافق على الثوابت الوطنية، او ما يفترض أنها ثوابت، ما دمنا مختلفين عليها. اما الخط الثالث فمن مسؤوليات رجال الدين، ما دمنا في بلد الطوائف وتأثيرها الكبير في الديني والدنيوي. وفي هذا المجال لم يعد من متسع للمواربة او لتنميق الكلام. الإصلاح مطلوب لدى المؤسسات الاسلامية، والمسيحية ايضاً، وإن بأولويات ونسب ومستويات مختلفة».
يختم النائب بالقول «لا يمكننا ان نواصل الرهان على الاعتدال الاسلامي اللبناني البنيوي، في حين كل المنطقة تنحو الى جنون التطرف وتحرض عليه. تحصين هذا الاعتدال واجب وطني بقدر ما هو مصلحة وواجب إسلامي.. وإلا لا ينفع بعدها التحسر والندم».