IMLebanon

تساؤلات عن العهد اللبناني الجديد

مع انتخاب البرلمان اللبناني العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اليوم بعد سنتين من الفراغ، تعود إلى الذهن محطة في منفاه الفرنسي يوم اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

كان الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك في أحد صالونات قصر الرئيس الشهيد في خلوة مع مستشار الشهيد وصديقه المحامي بازيل يارد، يثير موضوع توجهه إلى بيروت للمشاركة في التعزية بفقدان صديقه، فيما كان العماد عون في الصالون المجاور بين أوائل المعزين ويجلس معه السفير جوني عبدو. وعندما خرج شيراك من قصر الحريري عن طريق الصالون الذي كان فيه العماد عون، سلّم بلياقته المعتادة على الجنرال قائلاً له بالفرنسية: «صباح الخير يا جنرالي». وكان شيراك على علم بعلاقة صديقه رفيق المبتعدة مع عون. وقبل ذلك عندما وصل العماد عون إلى مارسيليا في منفاه الفرنسي في فيلا غابي، طلب من جان فرانسوا جيرو الذي حينذاك رافقه إليها مذكرات الجنرال شارل ديغول، قائلاً إنه يريد قراءة الجزء المتعلق برحلة ديغول في الفراغ.

وقتها لم يكن أحد يتصور أن يعود عون الذي كان في المنفى بسبب النظام السوري في لبنان، إلى الرئاسة بترشيح «حزب الله» وتأييد سعد الحريري. فماذا سيفعل عون في عهده؟ وكيف سيوفّق بين العرابين الكُثر الذين سيذكرونه باستمرار أن لولاهم لما وصل إلى الرئاسة؟

في طليعة هؤلاء إيران شريكة «حزب الله» وحليفته. والمرشد الإيراني سيحمل الغرب الذي طبّع علاقاته معه، جميل الانتخاب الذي سهله. نظام الرئيس السوري بشار الأسد أيضاً سيصر على أن لولا موافقته لما رشح «حزب الله» عون. أما السعودية فباركت أيضاً انتخاب عون رئيساً، وجاء الوزير ثامر السبهان ليلتقي جميع القيادات على الساحة السياسية في لبنان. فكيف سيوفق عون الرئيس بين المصالح المتضاربة لهذه القوى الإقليمية وحلفائها على الأرض؟

قال الرئيس سعد الحريري في مقابلته مع الزميل مارسيل غانم إنه يثق بالعماد عون، وان هناك اتفاقاً على تحييد لبنان عما يجري في سورية. هل في إمكان العماد عون أن ينفذ ذلك و «حزب الله» يحارب من أجل حماية النظام السوري ويساهم في مجازر في حلب وضواحيها على مقربة من لبنان؟

يعترف الحريري بالصعوبات التي قد تنتظره، لكنه يقول إنها أقل من مخاطر استمرار الفراغ. وقد يكون على حق، لأن الفراغ مميت لمؤسسات الدولة. لكن الحريري ليست لديه ضمانة في ما يخص الحكومة سوى أنه سيكون رئيسها، وهو عازم على القيام مع الرئيس المنتخب وحكومته -إذا تمكن من تشكيلها- بورشة عمل تنقذ اقتصاد البلد وتحرك العجلة الاقتصادية فيه.

يعد المؤيدون للعماد عون بأنه سيكون رئيساً قوياً ومتنفذاً، وانه سيخرج البلد من أزمته. لكن دستور الطائف يعطي سلطة أكبر للبرلمان في لبنان، والرئيس نبيه بري سيكون له دور أساسي في اللعبة السياسية، وهو غير راضٍ عن هذا الانتخاب. فكيف يكون دوره؟ وهل يقوم بالتعطيل؟

هذه كلها تساؤلات ومخاوف مشروعة. ووحده المستقبل سيقول ما إذا كان التحالف الغريب بين قائد عسكري سابق ناضل وقاتل ضد النظام السوري في لبنان ثم تحالف معه ومع شركائه فيه، ورئيس حكومة يقود طائفة مستاءة من تسلط «حزب الله» وإيران على الساحة السياسية، ليس في لبنان فقط، بل أيضا في سورية والعراق، سينجح في تشكيل حكومة تعمل لإنعاش البلد.

فور انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة، ستعمل الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا لمساعدة لبنان بعقد اجتماع دولي لدعمه. والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند سيزور البلد بسرعة لمباركة هذا الحدث. فالكل ينتظر خبراً جيداً من منطقة كلها حروب وقتل ومآسٍ، وقد يشهد لبنان تحسناً ما وسط هذا البؤس المجاور. وحدها الأيام ستكشف ملامح العهد الجديد، وما إذا كان سيختلف عما مضى.