IMLebanon

أسئلة حول الدين

مع نضوب العقل وجفاف العاطفة وانحدار إنسانيتنا، ومع تفاقم التشنج وتوسّع القتل والتدمير باسم الدين، ألا يحق للناس التساؤل عن جدوى الدين والمذهب والطائفة في إقامة الدولة، وفي إعادة تأسيس المجتمع؟ ألا يجدر أن يصير الدين مع كل مشتقاته المذهبية إشكالية فردية لا ممارسة جماعية؟ ومع صيرورة الدين إلى إشكالية فردية، تصير الدولة مجرد علاقة بين الفرد والدولة؟ عندها يستبطن الفرد الدولة، يصير هو أوسع من الدولة، وأرحب مدى من تجريد اسمه الدولة.

يُقال عن كذا وكذا من أفعال هذه الوحوش المجرمة التي تقتل باسم الدين، وتهدم باسم الدين، وتمحو التاريخ باسم الدين، وتلغي الحاضر باسم الدين، وتجعل المجتمع عاجزاً باسم الدين، يُقال إن هذا ليس هو الدين الصحيح. أليس الدين هو ما يعتقده الناس؟ وأنه في هذه الحالة يتطابق الإيمان مع العقيدة؟ وهل العقيدة الصحيحة هي غير ما يؤمن به الناس؟ وهل هي غير ما يؤمن الناس بأن هذا هو الدين الصحيح؟ وهل الدين الصحيح هو غير ما يقبع في أذهان الناس؟ وهل هو غير ما يقرّر عقلانيتهم وأفعالهم؟

إذا كان كل ما يحدث من قتل وإرهاب، تقوم بهما جميع الأطراف، فكيف نميز بين الدين الصحيح وغيره، بين ما يسمى جوهر الدين والتفسيرات الخاطئة للدين؟ هل الدين أرفع من المذهب، من حيث المستوى الأخلاقي والقيم الإنسانية؟ باختصار: هل هناك دين صحيح ودين غير صحيح، بوجود العقائد؟

وكيف التمييز بين الدين غير الصحيح والإرهاب؟ ألا نعرف أن هناك حرباً عالمية على الإرهاب؟ فهناك حرب عالمية على المجتمع الذي يحمِّل الدين على غير حقيقته أصحاب الدين غير الصحيح؟ أما عن الدين الخلاصي، فهل يخلص الإنسان نفسه دون الثواب والعقاب؟ وهل العقاب والثواب سوى شكلين من أشكال الدين أو ردة الفعل عليه؟

وهل تجدر التضحية بملايين البشر من أجل العقيدة الصحيحة؟ ولنفترض أن البشرية، بسبب كثرة هذه التشنجات والتصرفات العصبية، وبسبب تكاثر السلاح، ومن بينه سلاح الدمار الشامل، الذي تملكه دول عديدة من أميركا إلى بريطانيا إلى فرنسا والهند وباكستان وإسرائيل والصين والبرازيل، وغيرها، وتمنع منه إيران (؟)، لنفترض أن هذه البشرية أبادت نفسها؟ ومع تكاثر سلاح الدمار الشامل يدمر كلُّ الناس كلَّ الناس، وهذه هي مأساة العقل الإنساني والحمق في صناعته، هل يبقى بشر كي يحملوا العقيدة الصحيحة؟ ألا تزول العقيدة الصحيحة بزوال البشر الذين يحملونها. ألا نعرّض البشرية للفناء بسبب حمق مشروعنا الإنساني ولا عقلانيته؟ في هذه الحال من الفناء، هل سيبادر الله إلى خلق بشر جديدين كي يحملوا الدين الصحيح؟ أي المعتقد الصحيح؟ وهل يحتاج الله إلى بشر يحملون الدين الصحيح أو لا يحملونه؟ هل يحتاج الله إلى البشر أم هم الذين يحتاجونه؟ لكن السؤال يبقى: هل يستمر المعتقد الصحيح مع عدم وجود الناس؟ ومع تحوّل المدن والقرى إلى قفر خالٍ من السكان؟

أما آن لنا أن نكتشف أن المعتقد الصحيح يختلف عن المعتقد غير الصحيح بالمجتمع الذي يكون في حالة تدفعه إلى هذا المعتقد أو ذاك ضمن الدين نفسه؟ الدين نصوص؛ وهذه حمّالة أوجه، وربما كانت متناقضة. المصيبة في أطراف المجتمع التي يعتقد كل منها أنه يمتلك الحقيقة وغيره يفتقدها، وبالتالي فهو كافر لا يستحق البقاء.

والمصيبة الأكبر أن وراء هؤلاء وأولئك بائعي السلاح وصانعيه الذين لا سوق لما ينتجونه سوى الحرب. في منطقتنا حروب أهلية تستهلك السلاح الذي ينتجه غيرها؛ تشتريه مجتمعاتنا بأموال لم تنتجها؛ وتقتل أنظمتنا شعوبنا بواسطة هذه الأسلحة وبواسطة هذا الدين. ويكثر الذين يعتقدون أنهم يقتلون بداعي مرضاة الله.