Site icon IMLebanon

تساؤلات… حول الفراغ وتشويه النسبية

لا مصلحة لأحد بأن تُصاب انطلاقة العهد بانتكاسة مفاجئة، وليس من الحكمة، من جانب أي طرف سياسي، الخوض في معارك سياسية مع العهد الجديد، وهو ما زال في بدايات أشهره الأولى.

الحديث في النقطتين يعني حرصاً على الحفاظ على العوامل التي تساعد على نجاح العهد في تحقيق الآمال التي يعلقها اللبنانيون على وجود رئيس جمهورية وحكومة وفاقية ومجلس نواب ناشط ، بعد فترة التعطيل القسري لانتخابات الرئاسة، وما تسبّبت فيه من تفكيك لمفاصل الدولة الدستورية وعجز فادح من الطبقة السياسية.

وهذا الحديث يرمي أيضاً، إلى التأكيد على أهمية طيّ صفحة الخلافات العقيمة، وما رافقها من انقسامات عامودية سقيمة، هددت وحدة النسيج الوطني اللبناني، وعطلت مسيرة النمو والتطوّر في البلاد عقداً ونيّفاً من الزمن.

وعلى خلفية الآثار المدمرة لمرحلة الشغور الرئاسي، وانعكاساتها السلبية على البلاد والعباد، أثار حديث الرئيس ميشال عون في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، عن الفراغ كخيار وحيد لديه، في حال عدم التوصل إلى قانون انتخابي جديد، يحل مكان قانون الستين، النافذ حالياً.

الفراغ في ذاكرة اللبنانيين، يعني العودة إلى تعطيل الدولة والمؤسسات الدستورية، وإلى فقدان الثقة بقدرة الأطراف السياسية على العبور بالبلاد من مستنقعات الصراعات والتوتر وعدم الاستقرار، إلى شواطئ الوفاق والتهدئة والازدهار، مع كل ما يعنيه ذلك من ضرب رهانات التفاؤل التي رافقت الوفاق على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية.

ولعل أكثر ما أثار مخاوف الناس الطيبين أن التهديد بالفراغ صدر عن رئيس الجمهورية بالذات، حامي الدستور، وصاحب دور «الحَكَم» بين الأطراف السياسية، بعيداً عن أي انحياز لهذا الطرف أو ذاك.

طبعاً مِن حق الرئيس أن يضغط على الفرقاء السياسيين لتسريع خطى التوافق على قانون جديد للانتخابات، ولكن التلويح بالذهاب إلى الفراغ تحوّل إلى كابوس قضّ مضاجع اللبنانيين!

* * *

رب قائل أنه لولا تلويح الرئيس بالفراغ لما نشطت اللجنة الرباعية للتوصل إلى المشروع المتداول حالياً، والذي يجمع بين نظامي الأكثرية والنسبية.

ولكن مَن يقول أن المطلوب وضع قانون جديد، حتى ولو كان أسوأ من قانون الستين، كما توحي التسريبات حول المشروع الجديد؟

هل المقصود ضرب زعامة سعد الحريري، وتقليص كتلته النيابية إلى أقل من النصف، مقابل تكبير أحجام كتل حزبية أخرى؟

هل المطلوب «تحرير النواب المسيحيين» من أصوات الناخبين المسلمين، تحت شعار تطبيق النسبية، في حين تبقى دوائر مثل المتن الشمالي وجزين وحتى كسروان تنتخب على النظام الأكثري لصد الأبواب أمام مرشحي حزب الكتائب والمستقلين؟

لماذا اعتماد هذه النسبية المشوّهة في دوائر ذات غالبية إسلامية من عكار إلى طرابلس إلى بيروت والبقاع الغربي؟

ومَن يتحمّل مسؤولية اعتماد قانون انتخابي لا يعتمد وحدة المعايير، ولا يحفظ المساواة والعدالة بين اللبنانيين، على النحو الذي ينص عليه الدستور؟

ولماذا هذا التشويه المفرط لنظام النسبية، والذي يوحي وكأن الهدف الخفي هو إفشال النظام النسبي، تمهيداً لطيّ صفحة النسبية في الانتخابات المقبلة؟

تساؤلات… وغيرها كثير، تطال شرعية الانتخابات ودستوريتها إذا بقي القانون العتيد مخالفاً لمبادئ المساواة بين اللبنانيين.

وعندها يحتاج اللبنانيون إلى قضاة مثل القاضية الأميركية آن دونللي التي أبطلت قرارات ترامب العنصرية الأخيرة!