IMLebanon

تجارب الماضي القريب لجمت التهليل السريع وتساؤلات عن إمكان محافظة النظام على تدمر

بدا سياسيون لبنانيون كثر حذرين في التعليق على استعادة النظام السوري مدينة تدمر بمساعدة مباشرة من القوات الروسية، على رغم ان هذه الهدية التي قدمتها روسيا الى النظام تعزز آمال بعض الأفرقاء في لبنان لجهة إمكان تحسين أوراقه وتعزيز موقعه، وهو ما يمكن ان ينعكس على وضعهم سياسيا ايضا في لبنان. وقد رافقت هذه الاستعادة مؤشرات يبني عليها النظام وحلفاؤه ايضا الكثير، على غرار زيارة وفد نيابي فرنسي يفترض انه للتضامن مع المسيحيين في سوريا، فصار لقاء مع بشار الاسد لتمييزه عن تنظيم “الدولة الاسلامية” في معرض المفاضلة بينه وبين التنظيم وضرورة إعادة اوروبا النظر في علاقاتها مع النظام. وهذا الأخير كان ليعطي زيارة الوفد النيابي الفرنسي حجما كبيرا لولا ان استعادة تدمر استأثرت بواجهة الاهتمام، علما أن الوفد، وإن لم يكن معبرا عن السياسة الفرنسية الرسمية للرئيس فرنسوا هولاند، إنما يعطي مجالا ليستفيد النظام من هذه الخطوة ويوحي للرأي العام الفرنسي أنه من الافضل ان تعود فرنسا للتنسيق مع الاسد في ظل ضيق الخيارات المتاحة، بعدما وصل الارهاب الى قلب أوروبا. وهذا يفيد روسيا في مكان ما في ظل استمرار دفاعها عن الاسد ورفضها اشتراط رحيله في الوقت الراهن، علما أن التفجيرات الارهابية في بروكسيل اخيرا ربما تساهم في الوصول الى هذه الخلاصات رغبة من الدول الاوروبية في وضع حد لتدفق اللاجئين من جهة، وإقفال باب الارهاب من جهة أخرى على رغم ان القضاء على “داعش”، في ظل بقاء الاسد وفق رأي كثر، سيساهم في عودة “الدواعش” الاوروبيين الى بلادهم على نحو أكثر من أي وقت مضى، ولن ينهي أزمة سوريا أيضا. وقد بدت تصريحات النواب الفرنسيين ساذجة في نقل استعدادات الأسد للانفتاح وإعطاء حيز للمعارضة في ضوء ما كلفت الحرب التي يشنها النظام منذ خمس سنوات من أجل خطوات كان يمكن القيام بها من دون اي كلفة بشرية او مادية هائلة لدى بدء الانتفاضة ضده، ولم تعد تكتسب القدرة على توفير إعادة السيطرة راهنا أو في المستقبل كما كان سيكون مفعولها من قبل. لكن هذا لا يمنع في الوقت نفسه من أن يجد هذا المنحى صدى لدى الرأي العام الاوروبي، انطلاقا من المخاوف التي تسبب بها الإرهاب الذي يساهم في قلب الامور رأسا على عقب.

الحذر الذي يرافق مواقف السياسيين اللبنانيين في موضوع تدمر يرتبط أساسا بواقع التريث في الاندفاع في اتجاه حسم الربح او الفوز، ولو ان خطوة استعادة تدمر تسجل تحت هذا العنوان بعدما أثبتت تجارب السنوات الماضية تهورا في القفز سريعا الى استنتاجات، بناء على انتصارات محدودة أو معينة سرعان ما ذوت أو تراجعت في ضوء تطورات معينة، أو كون هذه الانتصارات أتت في سياق معين وليست هدفا في ذاته. فثمة أسئلة تطرح، وفق مصادر ديبلوماسية، قد يكون أبرزها هل يستطيع النظام أن يحافظ على تدمر، أي أن يكون يملك من القوات السورية ما يكفي للابقاء عليها تحت سيطرته وعدم فقدانها استنادا الى ان النقص في هذه القوات وعدم قدرتها على المواجهة المستمرة وضعت “حزب الله” وسائر الميليشيات الشيعية الداعمة له في وضع متقدم؟. فالسؤال يستتبع ضرورة معرفة إذا كانت روسيا ستواصل الاشراف على بقاء تدمر تحت سيطرة النظام وما ستكون الخطوة التالية لروسيا في هذا الاطار، ام ان الامر سيقتصر في سوريا على ما قامت به القوات الاميركية في مساعدة القوات العراقية في استعادة بعض المناطق من “داعش” في انتظار خطوات وعدت الحكومة العراقية باتخاذها وعجزت عن ذلك. ولا تزال الامور تراوح مكانها في العراق من دون القدرة على التخلص من “داعش” على نحو جذري ولا التقدم في الحل السياسي ايضا، على رغم ان ايران حاضرة في العراق كما هي في سوريا. فباستثناء التهانئ التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين الى نفسه بالنيابة عن النظام السوري واتصالاته بدمشق وطهران التي بادرت ايضا الى تهنئة الاسد، فإن الحذر كان سيد الموقف في موضوع استعادة النظام السوري مدينة تدمر. فهناك رغبة قوية في استعادة المدينة من تنظيم “الدولة الاسلامية”، لكن ليس لمصلحة النظام، وهناك تحفظ كبير واستياء من الهدية التي قدمها بوتين للاسد ومحاولة استكشاف مراميها وهي خطوته التالية، على رغم أن الخطوة كشفت مدى تضخيم الدعاية في شأن التدمير الذي حصل للمدينة لدى سيطرة “داعش” عليها، والتي كانت لعبة مهمة مارسها النظام ليكسب تعاطف الخارج، ولا يزال، بحيث تبين أن التدمير لم يكن بالمقدار الذي تم الترويج له من جهة، كما أحرج الغرب الذي لا يمكنه إلا الترحيب بدحر “داعش” عن المدينة، مع تحفظه عن استعادتها من النظام من جهة أخرى.

والى الغموض في شأن ما يرمي اليه الروس من هذه الخطوة وكيف سيضمنون قدرة النظام على المحافظة على المدينة، ثمة تساؤلات غير واضحة في طبيعة ما يتجه اليه الروس والاميركيون في ضوء اتفاقهم على المفاوضات السورية السورية في جنيف. فهل الخطوة الروسية هي من خارج الاتفاق او التفاف عليه وتاليا التفاف على المفاوضات بحيث تنتزع من المعارضة اي اوراق في شأن الانتقال السياسي.