رغم مؤشرات بسيطة تندرج في مسار مرونة مستجدة لم تتكشف ركائزها العملية بعد، بدت ملامح تفاؤل حذر باحتمال ان تولد الحكومة، التي اجهضت في مناسبة عيد الاستقلال، في ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة، خصوصا بسبب خشية «حزب الله» من فقدان التغطية المسيحية التي وفرها له تحالفه مع التيار «الوطني الحر» بما قد يدفعه الى التدخل لحلّ التجاذبات التي تحول دون الولادة المنتظرة.
فقد تقاطعت معظم التحليلات على ان «الترياق» قد يقدمه الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في كلمته المتلفزة التي من المتوقع ان يخرج بها مساء الغد على اللبنانيين. وفي هذا الاطار يذكّر سياسي لبناني وسطي بأن عجلة التحضير «فعليّاً« لوصول الرئيس ميشال عون الى السدة الاولى انطلقت مع اعلان نصر الله عدم الممانعة لترؤس سعد الحريري الحكومة، من دون ان يعني ذلك ان الحزب هو الوحيد الذي حلّ ازمة الفراغ الرئاسي.
فبعد هذا الحلّ، الذي لم يكن ممكنا بدون دعم «القوات اللبنانية» أولاً ثم تيار «المستقبل»، اخذت «عراقيل مقنّعة»، بحقائب وأوزان، تؤخر ولادة الحكومة بما سيدفع بـ«حزب الله» للتدخل بين حليفيه «الوطني الحر» وتيار «المردة» حتى لا يتضح بجلاء انه لا يريد للعهد انطلاقة حقيقية عبر قيام الحكومة. فخشية فقدانه التغطية المسيحية التي أمّنتها «ورقة التفاهم« المبرمة مع التيار «العوني« عام 2006، ستفعل فعلها مجددا مع الحكومة، كما فعلتها سابقا مع ملء الشغور الرئاسي، خصوصا بوجود «خط تماس ساخن» مع «القوات اللبنانية« للمرة الاولى. فمروحة التطمينات التي وزعها الوزير جبران باسيل الثلاثاء اتت في اعقاب اجتماعه بمسؤول «حزب الله» وفيق صفا بعد ان فشلت «الدعوة الابوية« التي اطلقها الرئيس عون الاسبوع الماضي في تقريب النائب سليمان فرنجية.
وبانتظار كلمة نصر الله، تجمعت مؤشرات مرونة مستجدة في الملف الحكومي من ابرزها المواقف المنفتحة التي وزعها الوزير باسيل في كل الاتجاهات لافتا الى ان الخلاف المسيحي الشيعي لن يحصل، وأن الصدام مع السنّة محرم، وملخصا سبب العرقلة بانه ليس الحقائب و»انما واقع سياسي جديد يرفضه البعض». فقد شدّد باسيل على متانة التحالف القديم مع «حزب الله « وسعى الى طمأنته بأن تحالفه اللاحق مع «القوات« لا يعني استعادة الدولة للمسيحيين بل «عودة المسيحيين الى الدولة»، لكنه ذكره بخلاف على «الاولوية» بشأن بند بناء الدولة في ورقة التفاهم. وشمل الانفتاح رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي أوكل إليه «حزب الله« التفاوض على الحكومة، فأكد له بأن الحكومة تتسع لكل حلفائه الذين يتمسك بتمثيلهم، سواء «المردة« او «القوميين« او ما يسمى بـ«سنة 8 آذار«، انما بحكومة من 24 وزيرا، خلافا لما ينادي به بري من ضرورة توسعها الى ثلاثين بما يسمح له بالحصول على شبه ثلث معطل من جهة وعلى التقليل من حجم «القوات اللبنانية« من جهة اخرى. وقد قابل الرئيس بري ما ادلى به الوزير باسيل بإيجابية وفق ما نقل عنه زواره عندما قال «انا معها ليس 50 بالمئة انما 100 بالمئة».
ويتساءل المصدر هل ان العناوين « الجامعة» التي اطلقها الوزير باسيل تشكل تمهيدا لإعلان نصر الله «فك اسر الحكومة» لتولد ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة. فاذا ما حدث ذلك يكون هدف العرقلة الحكومية فعليا «تكبيل العهد» عبر ربط نزاع معه على عناوين محلية تتعلق بالتوازنات في البلد وعلى عناوين اقليمية تتعلق بموقعه في صراع المحاور. فإطلاق «حزب الله» صفارة التشكيل الحكومي يأتي بعد شعوره بفائض قوة يستمده من عودة حلب شبه الاكيدة الى مظلة النظام، لكن مصحوبا بمخاوف من عرقلة امنية تتخطاه، بدت تباشيرها في الهجوم الذي استهدف حاجزا للجيش في بقاعصفرين.