IMLebanon

تساؤلات حول المبادرة الروسية

 

تظهر الاندفاعة الروسية لتسريع عودة اللاجئين السوريين محاولة من موسكو للإمساك بمختلف تداعيات الحرب السورية. تريد موسكو من خلال بناء شراكات محليّة تحويل انتصارها العسكري الى إنجاز سياسي، كما تريد من خلال  قيادة مرحلة ما بعد الحرب تحقيق إنجاز أخلاقي بهدف استعادة ثقة الشعب السوري وتثبيت سلمه الأهلي.

بالرغم من عدم الكشف عن التفاصيل الكاملة للخطة الروسية، ولا عن الأدوات التي ستستخدم لإقناع السوريين بالعودة إلى أحضان النظام الذي ثاروا عليه، أو هربوا من هول حروبه  أو من تحالفاته الإقليمية وعبثه الإثني والطائفي، تلقف المسؤولون في لبنان المبادرة بسرعة قياسية وتمسّكوا بها كخشبة خلاص تعيد لهم بعضاً من الإهتمام الدولي. أجل، فلبنان المعلّق استقراره السياسي على كلّ القضايا الحرجة، من الخليج العربي بتناقضاته الفارسية والعربية وحتى البحر المتوسط مروراً بالحرب المتعثّرة في مرفأ الحُديدة، رأى مسؤولوه في المبادرة إخراجاً لأحد العناوين الخلافية من المماحكة السياسية اليومية.

اختيار لبنان كنقطة انطلاق لمباشرة تنفيذ خطة إعادة اللاجئين السوريين لم يكن من قبيل الصدفة. سبب الاختيار يعود في جزء كبير منه إلى التطابق بين الموقف الروسي ومواقف الأطراف الأكثر نفوذاً في لبنان من الملف السوري عموماً، والمصالح المشتركة في ما يخصّ عودة اللاجئين السوريين. تُدرك روسيا أنّ ما تستطيع تحقيقه على المسار اللبناني أكثر مما تستطيع إنجازه على أي مسار آخر، بحكم الاعتبارات الداخلية في لبنان وهشاشة الوضع السياسي. موضوع اللاجئين مرشّح لتشكيل خط الانطلاق لفك العزلة عن النظام السوري، فالنجاح في مساعدة  لبنان لتجاوز مسألة اللجوء ربما يتحوّل الى كرة الثلج التي ستفضي إلى تطوير الرعاية الغربية التي يحظى بها لبنان نحو الداخل السوري.

دولتا الجوار السوري المعنيّتان بالملف عينه تعاملتا مع الموضوع وفقاً لمقتضيات الموقف. تركيا الشريك الدائم في مؤتمرات آستانا وسوتشي والتي تسيطر على مناطق كبيرة في الشمال السوري وتتمتع بالسيطرة الميدانية على محافظة إدلب وتستضيف أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، تجاهلت المبادرة كلياً. البرودة التركية تجاه المبادرة مردّها للتذبذب في المواقف الروسية. الموقف الأردني بدوره عبّر عن إحاطة مسؤولة وشاملة بالموضوع. وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ولدى استقباله الوفد الروسي أكّد على أهمية إيجاد البيئة الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تضمن أمن السوريين واستقرارهم كضرورة لتشجيع اللاجئين على العودة.

إلى جانب العوائق الكثيرة التي تحيط بهذا المبادرة وعلى رأسها طبيعة الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية في سوريا، ومستوى استعداد الروس لتقديم ضمانات حقيقية للاجئين العائدين بسلامتهم، ومدى قدرتهم على كبح جماح النظام وأجهزته، لم يتضح موقف الولايات المتّحدة رغم تأكيد المسؤولين الروس أنّ مبادرتهم كانت محل نقاش في قمّة هلسنكي. كما أنّ الأمم المتّحدة أكدّت مراراً أنّ الأوضاع في سوريا لا تفي بعد بالشروط الخاصة بالعودة إليها.

تساؤلات كثيرة تطرحها المبادرة الروسية كي لا تقتصر على عملية تطبيع لبنانية سورية:

أولاً: لماذا لم تلجأ القيادة الروسية للبدء بإعادة النازحين السوريين في الداخل السوري الى قراهم ومدنهم في حمص والقصير وتدمر وحلب وسواها، كبادرة حسن نيّة علماً أنّ عدد هؤلاء يفوق الستة ملايين نازح أي بما يفوق عدد اللاجئين في بلدان الجوار؟

ثانياً: لماذا تمّ تهجير أهل كفريا والفوعا من قراهم وإسكانهم في شرقي حلب بدلاً من إعادة السكان الأصليين الى منازلهم؟

ثالثاً: لماذا يتهيأ النظام لخوض معركة إدلب بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية والتي ستؤدي حكماً الى تهجير عشرات الآلاف نحو الداخل التركي، ولماذا طلبت القيادة الروسية من تركيا تأمين ممرات آمنة للسكان في إدلب نحو الداخل التركي؟

رابعاً: إلى ماذا سيفضي الوضع في السويداء، لا سيما بعد المجازر الأخيرة التي قضت على الثقة بين النظام بعد انتشار الكثير من الميليشيات الإيرانية على الحدود الأردنية – السورية؟

تركيا التي تقف على قاب قوسين أو أدنى من انطلاق معركة ادلب التي سيخوضها الجيش السوري بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية،  والأردن القلق على أمن حدوده مع درعا والسويداء بسبب تواجد عناصر ومراكز للميليشيات الإيرانية في أماكن تواجد الجيش السوري، تنتظران توضيحات حول مسائل أكثر حيوية تتجاوز كثيراً مسألة عودة اللاجئين!!!!

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والاستشارات