انتهت أيام ستراسبورغ وجزء من أيام لاهاي، عاد رئيس الجمهورية إلى بيروت، وكذلك الرئيس المكلف، وبين ستراسبورغ ولاهاي، بقيت الملفات تنتظر تمهيداً لإعادة تحريكها مجدداً، والتي لم تعد خافية على أحد وهي ملفات تبدأ بتشكيل الحكومة وتمرُّ بتطبيق الشق اللبناني من مقررات مؤتمر سيدر، ولا تنتهي بالملفات التي بات إصلاحها مُلزِماً.
تشكيل الحكومة ما زال عند المربّع الذي هو فيه، ولا يُتوقّع له أيُّ تقدُّم، على الأقل في ما تبقّى من أيام الأسبوع، لأنَّ رئيس تكتل لبنان القوي وزير الخارجية جبران باسيل سيكون في كندا في عطلة نهاية الأسبوع لترؤس مؤتمر الطاقة الإغترابية في مونتريال.
في الإنتظار، تقصُر المهل بالنسبة إلى الآليات التنفيذية لمقررات مؤتمر سيدر، الذي يعوِّل عليه لبنان كثيراً لإنعاش وضعه الإقتصادي. وللتذكير فإنَّ المؤتمر انتهى إلى تعهد بإعطاء لبنان نحو أحد عشر مليار دولار، بينها عشرة مليارات قروض ميسرة، يضاف إليها نحو مليار دولار هبات.
لكنَّ الأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فالقروض والهبات مشروطٌ تقديمها بانتخابات نيابية وبحكومة جديدة تعكف على إنجاز الإصلاحات في إدارات الدولة، ووضع خطة لمكافحة الفساد من ضمن جدول زمني يُعرَف متى يبدأ ومتى ينتهي.
أجريت الإنتخابات النيابية وتوقّف القطار منذ أواخر أيار الماضي، أي بعد شهر من مؤتمر سيدر:
ها قد مرّ نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر على انتظار تشكيل الحكومة، وطبيعي أنَّ التعهدات الباقية مجمدة كالإصلاحات ومحاربة الفساد، لأنَّها مرتبطة بتشكيل الحكومة. هكذا فإنَّ الدول والمنظمات التي شاركت في مؤتمر سيدر والتي يناهز عددها نحو أربعين دولة ومنظمة، يُخشى أن تعتبر أنَّ لبنان غير جدي في تعهداته وبالتالي تذهب الوعود بالمساعدات سُدى.
صحيح قد لا يصل الوضع إلى هذه المرحلة، لكن كلما تأخَّر الوقت، كلما ازدادت التحديات التي بدأت تتراكم سواء على مستوى الرواتب أو على مستوى الإستحقاقات التربوية والمعيشية والبيئية، ومن الملفات التي تسبِّب وجع الرأس أنَّ سلسلة الرتب والرواتب باتت سيفاً مسلَّطاً فوق رأس الخزينة، فقبل إقرارها قيل إنَّ كلفتها لا تتجاوز ال 800 مليون دولار، وعند الإقرار قيل إنَّ الكلفة بلغت مليار و200 مليون دولار، واليوم يتبيّن أنَّ الكلفة قفزت لتصل إلى ملياري دولار!
كيف يحدث هذا الأمر؟
وإذا كانت الحكومة قد أقرت السلسلة وقالت إنَّها وفرت لها التمويل من الضرائب، باعتبار أنَّ كلفتها لا تتجاوز المليار دولار، فمن أين ستوفّر تمويل السلسلة إذا أصبحت كلفتها الحقيقية ملياري دولار؟
أي الضعف؟
وإذا كان التمويل الأول قد تمَّ من فرض مزيد من الضرائب، فهل التمويل الثاني سيكون أيضاً بالمزيد من الضرائب؟
وإذا لم يكن من الضرائب فهل من مصدر آخر؟
وما هو؟
المشكلة ليست نقدية، بل في كيف تموِّل الدولة استحقاقاتها في ظلِّ أفق سياسي شبه مسدود، وهنا المعضلة الكبرى. فهل من أحد في الدولة يطرح على نفسه هذا السؤال؟
وإذا طرحه، فهل يجد الجواب؟