الوضع الأمني ليس خارج الاهتزازات المتوقعة وسط ضبابية المشهد الإقليمي وصراعاته
أسئلة التفاوض اللبناني على الحافة.. والمعركة على الطائف!
بري يتحرّك داخل المساحة الحمراء الحاكمة للتوازنات الداخلية بانتظار فرج إقليمي مستتر!
رُحِّـلَت القضايا العالقة إلى آب، ومعها يُفترض أن تستكين المراوحة السياسية الداخلية شهراً على الأقل، من المماحكات حول قانون الانتخاب الموعود، إلى الاستحقاق الرئاسي المفقود، وأيهما يأتي في الأولوية الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية، إلى طروحات السلة المتكاملة والكلام عن «دوحة لبنانية». ترحيل سيُرخي بعضاً من الارتياح على المشهد اللبناني يُخفّف من وطأة الشعور الذي يعتري القيّمين، من انزلاق البلاد سياسياً واقتصادياً ومؤسساتياً نحو مزيد من التعقيد والتفكك، بانتظار أن تلتئم طاولة الحوار مجدداً، وسط رهانات متعددة الأطراف من أن شهر آب سيكون شهر تحريك الملفات في المنطقة، من سوريا التي ضُرب موعد لإنجاز دستورها وبدء ترتيبات المرحلة الانتقالية، إلى اليمن وإمكانات أن تشق مفاوضات الكويت طريق الحل السلمي لأزمته، إلى الحراك الفرنسي في اتجاه القوّتين المؤثرتين بالملف اللبناني طهران والرياض، وما قد ينتج عن زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى باريس، والزيارة المقررة الاثنين المقبل لولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الفرنسية، وتوقعات «حلحلة ما» على المستوى الإقليمي.
هذه الرهانات كانت، وفق متابعين، وراء حركة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الهادفة إلى تهيئة المناخات الداخلية حول القضايا العالقة بانتظار المُعطى الخارجي، علّه يحمل ملامح تسوية يمكن أن يَنفد منها لبنان للخروج من الحلقة المقفلة التي تحكم العملية السياسية وتحول دون عودة الانتظام إلى المؤسسات من بوابة الانتخابات الرئاسية.
وفي رأي هؤلاء المتابعين أن الرئيس برّي يُدرك الخطوط الحمر لدى كل من الأفرقاء السياسيين و«الفيتوات» المتبادلة مما يدفعه إلى اللعب في المساحة المتاحة من دون تجاوز تلك الخطوط وكسر المعادلات الداخلية التي تحكم أية تسوية، لكن ذلك لا يعني القدرة على استنباط حلول لبنانية على غرار ما جرى في الدوحة عام 2008، إذ أن المسألة ليست ذات بُعد داخلي، بقدر ما هي مرتبطة بموازين القوى الإقليمية والدولية، فإرادة الأطراف الداخلية ليست كافية - حتى وإن وُجدت - لإخراج لبنان من حال المراوحة التي يعيشها، ما لم تقترن بتوافق إقليمي، لا سيما سعودي – إيراني، حيال الملف اللبناني.
على أن الرهانات بإمكانية حلحلة خارجية قد لا تكون في محلها، حسب مراقبين للمشهد الإقليمي، في ظل قناعة راسخة بأن الصراع السعودي – الإيراني في المنطقة ماضٍ إلى مزيد من التأزم والتصعيد، بحيث أن لهيب شهر آب لن ينحصر بالحال المناخية، بل سيطال أيضاً جبهات الصراع المفتوحة ويزيد من حدة اشتعالها بحيث تخيب آمال المراهنين عليه، وسط توقعات بأن ترحّل مختلف الملفات في المنطقة إلى السنة الجديدة، بفعل الشلل الأميركي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل.
تلك الضبابية تجعل القوى السياسية اللبنانية تتعاطى بحذر في مقاربتها المسائل الخلافية انطلاقاً من أن سقف الحلول والتنازلات تحكمه موازين القوى التي سيكون عليها المشهد لحظة التسوية، وهو ما يجعل كل طرف يتمترس خلف مطالبه ويتشدّد في عملية التفاوض، فبينما يتحدث فريق الثامن من آذار عن مؤتمر تأسيسي وينظر إلى الجلسات المتتالية لطاولة الحوار في آب على أنها بمثابة «دوحة لبنانية»، يُسارع فريق الرابع عشر من آذار إلى رفض أي اتجاه من هذا النوع، واضعاً تلك الجلسات في خانة الحوار الجاري ليس إلا، وهو مشهد يُعبّر عن مدى الانقسام في الرؤية حيال سُبل الخروج من الأزمة وآفاقها المسدودة، ويلقي بظلال من الشكوك حول تحقيق أي اختراق ممكن في جدار الأزمة.
ثمّة مَن يذهب إلى توصيف حجم المأزق بطرحه جملة أسئلة: هل الأزمة اللبنانية مرتبطة بالأزمة السورية، وبالتالي حلها ينتظر تبلور اتجاهات الحلول هناك، أم أن الملف اللبناني أضحى مرتبطاً بالملف اليمني ومنحى الحل الذي سيسلكه لا سيما في ما خص سلاح الحوثيين وتركيبة العملية السياسية؟ هل من الممكن، إذا ما انسحب «حزب الله» من سوريا وعاد إلى الداخل، أن يكون ذلك من دون ثمن، وأي ثمن يُـؤمِّـن له عودة آمنة بكل المقاييس، وأي مستقبل ينتظر سلاحه في التسوية المرتقبة، وما هي الضمانات التي يمكن أن تطمئنه وفي ظل أي موازين قوى؟ وإلى أي مدى ستشتدّ الضغوط على الحزب سواء داخل سوريا أو عبر محاصرته مالياً من خلال العقوبات الأميركية؟
أسئلة تبدأ ولا تنتهي عند استنتاج مفاده: إذا كان طرح زعيم «تيّار المستقبل» الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية ينبع من هدف حماية «اتفاق الطائف» من أي تعديل وتعريض المعادلة اللبنانية المتجسّدة في النظام الحالي لأي اهتزاز، وهو هدف سعودي أيضاً، فهل أن الفريق الآخر في ظل استعار المواجهة بين الرياض وطهران سياسياً وعسكرياً، لن يدفع بالمواجهة الداخلية إلى حدّها الأقصى عبر المطالبة بإدخال تعديلات على «الطائف» هي في جوهرها مكاسب سياسية لطائفة على أخرى تعكس النفوذ الإقليمي الذي يُجسّده الصراع المذهبي المتنامي في المنطقة؟
إنه مشهد قاتم لا يبعث، وفق المراقبين، على الارتياح للوضع الحالي الذي يستحيل في ظل الاستحقاقات المتراكمة والأزمات الاقتصادية الداخلية وحجم اهتراء المؤسسات، أن يستمر من دون تداعيات وانعكاسات سلبية لا يبدو أن أحداً قادر على إدراك المدى الذي يمكن أن تصل إليه، وما قد ينتج عنها من اهتزازات تتعدّى الواقع السياسي إلى الوضع الأمني!