Site icon IMLebanon

تساؤلات برسم حافلة الحكومة الجديدة

 

 

بعد أقل من أسبوع تُطوى جولة جديدة من  جولات إنتاج السلطة في لبنان، وينجلي غبار الخطب الإنتخابية التي حاكت لأسابيع عديدة المناطقية والطائفية والمذهبية، مع مسحات عنصرية أعادتنا إلى خطب سبعينات القرن الماضي التي حملت حينها كلّ نظريات الحرص على صفاء العرق والدم، والتي أسقطتها إختبارات الهندسة الوراثية.

كلّ وعاءٍ ينضح بما فيه، ووعاء الإنتخابات سينضح بمجلس نيابيٍ هو نتاج قانونٍ سيىءٍ وخطابٍ متوترٍ وتحالفاتٍ مؤقتةٍ وضياع البوصلة السياسية. النكهة السورية في المجلس النيابي الجديد قد تتجاوز الجرعة المعتادة. المرشحون من رموز الوصاية لا يستظلون هذه المرة حلفاء من معسكرهم السياسي فحسب، بل هم استطاعوا النفاذ من خلال المنطقة الرمادية التي شابت الصفقة السياسية بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر، ومن ضبابية العلاقة بين تيار المستقبل وحلفائه من السياديين، وقد تجلّى ذلك بعدم القدرة على توحيد جهود الفريق السيادي والمعارضة  الشيعية لاسيما في البقاع وجبل لبنان.

بعد أسبوع سيكون لدينا مجلس نيابي جديد وستعتبر الحكومة مستقيلة عند بدء ولاية المجلس الجديد إستناداً للمادة 69 من الدستور. الحكومة العتيدة ستكرّر النموذج الذي فرضه إتّفاق الدوحة أي برلمان مصغّر، يختلط في داخله التشريعي بالتنفيذي ليسقط مجدداً معه مبدأ فصل السطات المكرّس في الدستور، بما سيمهد لثلاثية حاكمة وربما لرباعية، لن تقتصر على الرئاسات بل ستعبّر عنها مكوّنات سياسية مندمجة تتمتع كلّ منها بحق النقض وبالقدرة على التعطيل.

سيختبر مسار تشكيل الحكومة صدق الطروحات السياسية والإقتصادية والإصلاحية التي أُعلنت خلال الحملات الإنتخابية، وإمكانية المساكنة بين فرقاء سياسيين عجزوا سابقاً عن تجاوز الخلل  التاريخي – السياسي الذي أبقى لبنان أسيراً لبعض المعادلات التاريخية وحال دون تطوره السياسي، والخلل الجغرافي السياسي- الإقليمي والدولي المتمثّل بالتدخلات الخارجية في عملية تشكيل السلطة وتحديد وجهتها.

لقد سبق لرئيس الجمهورية أن صرّح أمام الممثّل الشخصي للأمين العام للأمم المتّحدة أنّ الإستراتيجية الدفاعية  ستكون مطروحة للنقاش بعد الإنتخابات النيابية مباشرة، ولاقاه في ذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله. مناقشة الاستراتيجية الدفاعية تعني بالنسبة للبنانيين إستيعاب السلاح داخل الجيش بشكل مرحلي وحصر السلاح تحت إمرة الدولة، فهل هذا ما عناه الأمين العام لحزب الله عندما أبدى استعداده لذلك؟ وهل لا زال هذا مطروحاً في ظلّ التصعيد الأوروبي الأميركي لمواجهة نفوذ إيران في الشرق الأوسط وفي ظلّ تهديد الولايات المتّحدة بالإنسحاب من الإتّفاق النووي، والتهديد الإيراني المقابل بالإستمرار في تخصيب اليورانيوم وصولاً الى إنتاج السلاح النووي؟  وهل لا يزال رئيس الجمهورية متمتسكاً بطرح الاستراتيجية الدفاعية في ضوء التصريح الأخير للوزير جبران باسيل خلال مهرجان لائحة بعبدا حين قال:«إنّ الإتّفاق مع حزب الله هو استراتيجي وهو إتفاق بين أقوياء ولا يستطيع أحد المساس به من الخارج»، مشبّهاً  الرئيس عون والأمين العام لحزب الله بالجبلين اللذين لا يلتقيان ولكنهما التقيا في مقاومتين منذ 12 سنة.

وهل سيصبح المشروع الإقتصادي لرئيس الحكومة ورقة إيرانية في مواجهة الإندفاعة الأميركية الأوروبية؟ وهل ستُستخدم الورقة الإقتصادية للضغط على المجتمع الدولي عن طريق إعاقة عمل الحكومة وتقييد حركتها تحت عنوان المشاركة في الملف الإقتصادي ومكافحة الفساد؟ وهل سيتحوّل المجلس النيابي الذي يعود لرئيسه صلاحية إدراج مشاريع القوانين على جدول الأعمال دون سواه الى حجر عثرة في وجه رئيس الحكومة الذي يستعجل الوقت للإنطلاق نحو الإستفادة من القروض التي وفرها مؤتمر «سيدر1».

كيف سيستطيع رئيس الحكومة الملاءمة وإيجاد صيغة للتعايش بين حليفه التيار الوطني الحر وحلفائه الطبيعيين، إذا رغب بذلك لتشكيل أكثرية نيابية وازنة، وهم قد ضاقوا ذرعاً بتصريحات حليفه الوزير جبران باسيل المتشنجة والجاحدة، والتي تمعن في الإستنفار الطائفي بما  لا يريح المسيحيين قبل سواهم. المصالحة التي حصلت في الجبل والتي كانت يومها موجهة ضدّ الوصاية السورية، بالنسبة لحليف رئيس الحكومة، «هي تهويل وتهديد وهي ليست حقيقية لأن المسيحيين لا يزالون يشعرون بالتهميش» وهو يرى أنّ المسيحيين في الجبل لا زالوا أُجراء « بما يخفي جهلاً بالتاريخ ومحاولة للثأر من مجهول وتنكّراً لكلّ من صنع وشارك في المصالحة.

قديماً درج مقتسمو السلطة في لبنان على ترداد عبارة « الجميع في مركب واحد، وسنغرق جميعاً إذا غرق المركب» . يبدو العهد الذي أعلن سيده أنّه سيبدأ بعد الإنتخابات أنّه مُقبل على تشكيل حكومة أشبه بحافلة لكل من ركابها وجهة مختلفة عن الآخر.