بعد المبادرة التي طرحها السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله، لفكفكة العقد التي شلّت الدولة ومؤسساتها، وخلقت فراغاً غير مسبوق باتساع مساحته وطول مدته، وبعد ملاقاة هذه المبادرة بمواقف ايجابية من قوى 14 آذار، تختلف نسبتها بين فريق وآخر، الا انها خلقت مساحة واسعة من الاسترخاء السياسي، فتقلّص التوتر، وخفّ الشحن الطائفي والمذهبي، وتراجع القلق لدى المواطنين، خصوصاً بعدما اقر مجلس النواب عدداً من القوانين والاتفاقات والمعاهدات المالية، التي تحمي الليرة اللبنانية وتحول دون تراجعها او انهيارها امام العملات الاخرى، وفي ذات الوقت، فتحت المجال امام الاعلام والصحافة، لدقّ ابواب مواضيع جد هامة، لكن الاهتمام بمصير البلد، تقدّم على الاهتمام بها، الى ان دفعها الهدوء السياسي النسبي الى مقدمة الاهتمامات، مثل تسليط الاضواء على ثروات النواب والوزراء والمسؤولين على قاعدة قانون «من اين لك هذا»، وكشف حقيقة المواقف التي تطلق لذرّ الرماد في العيون وحسب – كالقول «ليتفق المسيحيون على رئيس للجمهورية او قانون للانتخابات ونحن حاضرون للموافقة» ومؤخراً الموقف المخزي للقيادات السياسية والكتل النيابية المشاركة في طاولة الحوار، والتزامهم الصمت المطبق حيال موضوع ترحيل النفايات والكلف المرتفعة جداً لهذا الترحيل، على الرغم من ابلاغهم بهذه الكلفة من قبل رئيس الحكومة.
* * *
بالنسبة الى موضوع كشف ثروات المسؤولين من وزراء ورؤساء حكومات، يمكن القول انه ضروري ومبارك وواجب، ولكن من ضمن ضوابط وشروط اخلاقية ومهنية، بحيث تطول المحاسبة الجميع من دون استثناء احد، وان تكون الملفات مدروسة بموضوعية وشفافية، الهدف منها ليس التشهير فحسب، بل التوصل الى استرداد المال العام الى خزينة الدولة ومعاقبة من تثبت ادانته.
* * *
اما موضوع النفايات، فان ترحيلها الى الخارج بهذه الكلفة المخيفة، يكشف امرين: الاول، مدى عجز الطبقة السياسية الحاكمة، عن فرض الحلول الاقل كلفة، مثل المطامر الصحية، او غيرها، وكأن اللبنانيين انتقلوا من «دلفة» سوكلين الى تحت مزراب الترحيل، والامر الثاني يكشفه السكوت على صفقة الترحيل بما يمكن ان يكون مجال صفقة مالية، خصوصاً ان دول اوروبا تستفيد كثيراً من النفايات.
* * *
يبقى اخيراً الامر الثالث الذي يقع تحت عنوان «المزايدة» وذرّ الرماد في العيون، بالنسبة الى قانون الانتخابات، وانتخاب رئيس للجمهورية، فالدكتور سمير جعجع تحدّى جميع المزايدين، وقال انه على استعداد للتوافق مع العماد ميشال عون على قانون للانتخابات في خلال ساعات اذا تعهدوا بقبول القانون، ولم يجرؤ احد على الردّ، واذا سلّمنا جدلاً بان العماد عون قبل بجعجع رئيساً وتنازل له، فهل يقبل به فريق 8 اذار وخصوصاً المكوّن الشيعي او حتى جميع قوى 14 آذار؟
تساؤلات في الوقت الضائع اجزم بانها ستبقى من دون اجوبة.