لم يترقَّ مسؤول في السلطة اللبنانية منذ اتفاق الطائف من دون رضى سلطة الوصاية. كانت الحكومات تتشكّل في قصر المهاجرين قبل ان تُحال الى صلاحيات المسؤول في عنجر. ومثلها لوائح المرشحين الى الإنتخابات النيابية.
والقوانين الاساسية كانت تُفرض على جداول الأعمال أو تُسحب، ويجري التصويت عليها ثم نقضها بموجب الارادة السامية من دون احترام للسادة أسياد أنفسهم كما جرى إقناعهم.
وكما في الوسط السياسي، كذلك في الوسط الأمني والاداري. لم يرتفع مسؤول الى مرتبة قيادية الا اذا حاز رضى ضابط المخابرات. كان المركز السوري يستدعي هؤلاء لإغرائهم وتطويعهم . ويروي العميد عصام ابو زكي فصولاً، في مذكراته، عن محاولات جذبه وإلحاقه، وغيره أيضاً يتذكر كيف ان المناقلات البسيطة كانت تتطلب موافقة المسؤول الأمني الوصي، وكيف بات بعض المحظيين أقوى من المسؤولين الأعلى مقاماً في السياسة والتمثيل. وفي مذكرات فؤاد بطرس، وخصوصاً مذكرات الياس الهراوي، روايات متوترة عن أمثال هؤلاء.
في الخلاصة تحولت الادارة السياسية والأمنية الاساسية الى جهاز يأتمر بولي نعمته، ولم يكن خطأ اطلاق تسمية المنظومة الامنية السورية اللبنانية على القوى المهيمنة لدى اغتيال رفيق الحريري، الا ان هذه التسمية حملت في ذاتها تبرئة مقصودة للمنظومة السياسية المكملة للسلطة المحلية التي ابتدعها نظام الوصاية.
لم يتغير الأمر كثيراً بعد تحولات عام 2005. بل انتقل جزء من مهمات النظام السوري الى حلفائه الأوفياء وفي مقدمهم “حزب الله”، وحُسم الأمر كلياً بعد انفجار الأوضاع في سوريا وتحول الحزب المذكور الى فصيل يقاتل في سوريا دفاعاً عن النظام. باتت سلطة التعيين في المناصب الاساسية في يده، من رئيس الجمهورية ونزولاً…
عندما تتكون سلطة على هذا النحو، بديهي ان تخدم ولي تعيينها عملاً بمبدأ qui Donne ordonne وملحقه الذي ينص على انه “بالشكر تدوم النعم”. ومجال الخدمة واسع والخدمات المطلوبة كثيرة. وقد ادت السلطة دورها بقدر ما تسمح به الصراعات المحلية وأجادت. وفّرت غطاء في الجامعة العربية للنظام السوري، وتبنت ضمناً سياسات ومواقف “حزب الله” من الدول العربية وتدخلاته فيها، وكان ينقصها ان تبارك الهجمات الايرانية على ارامكو الا انها ارتأت الاسوأ: الصمت.
واليوم يطرح التحقيق في انفجار المرفأ احتمال ان تكون النيترات مُخزنة لمصلحة براميل دمشق المتفجرة، وهذا احد اسباب تحول قوى السلطة الفاعلة الى سيف في وجه المحقق العدلي، واذا كان ما نقل عن اللواء عباس ابراهيم دقيقاً في ان كل الذين تولوا مسؤوليات كبرى كانوا يعرفون بالنيترات ومخاطرها وقد سكتوا عنها، فإن ذلك يؤكد المؤكد، وهو ان السلطة التي تدين باستمرارها الى نظام الوصاية وورثته، تتابع خدماتها حتى النهاية.