ان اسقاط النظام الطائفي الذي يشكل أساس المشكلة في لبنان والذي يتلطى خلفه الفاسدون لن يحصل في أسبوع أو شهر أو سنة ومن خلال تظاهرات سلمية وقطع طرقات وصراخ عبر التلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي. اسقاط النظام الطائفي يستدعي ثورة مستمرة على كامل الطبقة الحاكمة الفاسدة الفاشلة، ونضالاً في كل القطاعات الاجتماعية والتربوية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ولتكن التظاهرات التي شهدتها مختلف المناطق بداية هذا النضال ،وليواجه كل من المتظاهرين نفسه قبل ان يواجه الآخرين لتثبيت التزامه بقواعد الدولة المدنية الديمقراطية التي لا مكان فيها للانحياز الفئوي على أساس الدين او المذهب.
تمكن المتظاهرون والمتظاهرات من رفع الصوت بوجه النظام الطائفي الفاشل الفاسد خلال الايام العشرين الفائتة وأحدثوا زلزالا لا مثيل له في تاريخ لبنان حيث ان التحرك شعبي عفوي يضم مواطنين من مختلف المناطق والطبقات الاجتماعية والولاءات السياسية. وبالرغم من كل المحاولات الاستخبارية القذرة لإفشال التحرك وتشويهه وحرفه عن المطالب الأساسية، استمر المتظاهرون والمتظاهرات في التحرك ما ولّد املاً لدى العديد من اللبنانيين واللبنانيات بانهيار منظومة الفساد المتمثلة بالنظام الطائفي الحاكم.
وفي ظل اقفال المدارس والجامعات والاشغال وتعطل البلد لا بد من البحث عن مخرج سريع وفعّال لأن هناك عدداً كبيراً من الناس لا يمكنهم الاستمرار طويلاً من دون عمل ودخل وعلم وإنتاج. ولا بد الا يتعارض المخرج مع استمرار الثورة ضد النظام الطائفي الفاشل الفاسد. وقبل عرض الاقتراح لا بد من الإشارة الى ان العديد من الأشخاص ومن بينهم أساتذة جامعات ونقابيون وسياسيون وعاملون في الحقل العام كانوا قد عرضوا اقتراحات وحلولاً، وبدا ان من بينها اقنراحات جدية تستحق المناقشة. ولكن معظمها يستغرق وقتاً للتنفيذ بينما ما نقترحه في الآتي هو مخرج (ليس حلاً) سريع يمكن للسلطة الحاكمة تنفيذه فوراً قبل تمدد الازمة لحد فقدان السيطرة عليها بالكامل ودخول البلد في المجهول.
ما نقترحه يستند الى التزام السلطة الحاكمة بالموجبات الآتية:
اولاً، الاستماع الى مطالب الشارع
تشكيل خلية تتألف من ممثلين عن مختلف القوى السياسية المتمثلة في مجلس النواب وتكون وظيفتها جمع مطالب المتظاهرين والمتظاهرات بشكل دقيق وشامل. وصياغة تقرير يتضمنها ونشره على أوسع نطاق بهدف فتح المجال لطلب مراجعته للتأكد من دقة مضمونه. والهدف من ذلك هو اعتراف السلطة الحاكمة الحالية بأنها تعرف مطالب الناس وهو ما يفرض عليها مسؤولية المعالجة بدل التهرّب من خلال الادعاء بأن المطالب غير واضحة وأو غير معلومة. ويمكن ان ينجز التقرير خلال يوم واحد.
ثانياً، مساعدة الأكثر حاجة
صدور قرار استثنائي عن رئيس حكومة تصريف الاعمال ووزيري المالية والصحة فيها يقضي بتسديد خزينة الدولة كامل كلفة الاستشفاء لجميع المرضى اللبنانيين الذين بلغوا سن التقاعد وفي جميع المستشفيات.
صدور قرار بإنشاء صندوق دعم خاص بالمواطنين والمواطنات المصنفين تحت سقف الفقر في لبنان. ويتم تفعيل الصندوق فوراً من خلال فتح مكتب خاص في وزارة الشؤون الاجتماعية وفي كل من المحافظات لتلقي الطلبات. وتعلن المنهجية ونتائج الطلبات سريعاً وبشكل شفاف وعلني وقابل للطعن. وقد يستدعي ذلك فتح اعتمادات ونقل أموال مخصصة لبعض المشاريع الى موازنة وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية وذلك بشكل استثنائي وطارئ. وقد يكون ذلك مخالفاً للقانون ولتسلسل الاجراءات غير ان الظرف الطارئ يستدعي اتخاذ إجراءات سريعة. ويمكن ان يحصل ذلك خلال ثلاثة أيام.
ثالثاً، تثبيت الامن
عقد اجتماعات مفتوحة لمجلس الامن المركزي برئاسة وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الاعمال واجتماعات مفتوحة لمجالس الامن الفرعية في المناطق تكون بمثابة غرف عمليات لمتابعة كل التفاصيل لما يحدث في الشارع ومجالس تنسيق بين الجيش وقوى الامن والامن العام وامن الدولة والقضاء والمحافظات والبلديات. ويصدر عن مجلس الامن المركزي بيان يومي يشرح للمواطنين الوضع ويتعامل مع التطورات بشكل مسؤول وتحت السيطرة من دون المساس بحقوق الناس وسلامتهم. فعلى الدولة مسؤولية امن الجميع وفي جميع الظروف. ولا بد من تخصيص خط هاتف خاص بالشكاوى كما لا بد من تفعيل عمل أجهزة الرصد والاستعلام لملاحقة كل من يتدخل بشؤون اللبنانيين الداخلية واحالته الى القضاء المختص. كما لا بد من فتح الطرقات الأساسية وفتح قنوات تواصل دائمة مع المتظاهرين والمتظاهرات.
رابعاً، السعي لتحقيق العدل
اجتماع فوري لمجلس القضاء الأعلى وقرارات سريعة وحاسمة يعلن عنها رئيسه عبر الاعلام. وعلى المجلس ان يثبت استقلاليته كسلطة قضائية لا تخضع لا للرؤساء الثلاثة ولا لأي مرجعية طائفية أو مذهبية وذلك على الرغم من المحاصصة الطائفية والمذهبية والسياسية في عملية تعيين القضاة في لبنان. وعلى رئيس مجلس القضاء الأعلى ان يكرر ذلك بصوت عال ويرفع نص القانون بيد والسيف باليد الأخرى ويعصب عينيه في استعراض رمزي. ونظراً لحجم جرائم الاختلاس فلترفع الحصانات عن جميع الرؤساء والوزراء والنواب والمدراء العامين ولتصدر عن قضاة النيابات العامة وقضاة التحقيق قرارات استدعاء كل من ورد اسمه في ملفات الفساد التي تناولتها وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي. وليقم مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل بتلقي معلومات من القضاة عن كل من يسعى الى التدخل في عملهم من خلال الاتصال بالقضاة والمحامين العامين ولتعلن هذه المعلومات عبر الاعلام. وليتم تفعيل جهاز التفتيش القضائي فوراً للتأكد من نزاهة القضاة.
وأخيراً ليستمر التظاهر والتجمعات الشعبية المطالبة بإسقاط النظام الطائفي الفاشل الفاسد واستعادة الاموال المنهوبة في مختلف المناطق كأداة ضغط لانطلاق الملاحقات القضائية ومحاسبة من اختلس المال العام أيا يكن.
كل ما ورد في هذا النص يمكن تحقيقه سريعاً اذا كانت هناك نية صادقة ومسؤولة من قبل القيمين على الدولة في إيجاد مخرج سريع. للدولة وحدها المسؤولية الأساسية عن امن الناس ومصالحهم، فهل في لبنان دولة بالحد الأدنى ام ان الفوضى تتحكم بمصيرنا؟