Site icon IMLebanon

قراءة هادئة.. في حدث ملتهب!

ما حصل في إيران، أقل من ثورة وأكبر من انتفاضة. هدأ الشارع الإيراني، لكن ما زالت النار تحت الرماد. بالأصح ما زالت كل الأسباب الموجبة والضرورية، لعودة الانفجار الشعبي قائمة.

 

لا يمكن القول إن خروج الإيرانيين بعيداً عن الأرقام إلى الشوارع، كان مبرمجاً، حتى يُعتبر انكفاؤهم وصمتهم، استسلاماً للواقع، ما يُعزّز ذلك أنّ الواقع القائم منذ عقدين وأكثر، أشعل الشوارع.

 

معالجة هذا الواقع لم تتم ولا يبدو أنّها ستحصل عاجلاً. لذلك يمكن القول إنّ «بكتيريا» الرفض الشعبي (مع التحفظ للتشبيه) سيستعيد نشاطه، وتكون النتيجة تماماً كما يحصل مع الهزات الارتدادية بعد الزلزال الأول. بعض هذه الهزات يكون تأثيره أكبر فعلاً من نتائج الزلزال الأول على البنى التحتية.

 

بداية، وقعت التظاهرة الأولى في مدينة «مشهد»، التي من المُفترض أن إبراهيم رئيسي المرشح الفاشل للانتخابات الرئاسية، الذي دفعه المرشد آية الله علي خامنئي إلى الواجهة مَن «أشعل النار»، إذ دفع مجموعات من مناصريه إلى الشارع وهي تهتف بسقوط روحاني. فما كان من مجموعات شعبية أكبر، «طفح الكيل معها» كما يبدو، إلا أن اجتاحت شوارع مشهد وهي تهتف «الموت للديكتاتور» أي خامنئي.

 

إبراهيم رئيسي رجل خامنئي المتشدّد، اعتقد أنّ قرارات الرئيس حسن روحاني الأخيرة كافية لإشعال الشارع ضده، بذلك يسقط طموحه ومشروعه وحركته مع الإصلاحيين في خلافة المرشد، ويعود هو إلى واجهة الخلافة ومعه معسكر المتشددين.

 

إبراهيم رئيسي وخلفه المرشد أرادا استغلال إقدام روحاني على ما لم يُقدِم عليه أحد قبله وهو رفع أسعار الكهرباء والغاز والبنزين. لم يستوعب المتشددون أن نصف الإيرانيين يستخدمون الإنترنت والمواقع الاجتماعية، وأنهم بذلك على اطلاع على الوجه الآخر للقرار الروحاني، وهو تأكيده بأنّ 25 في المئة من العائدات، أي حوالى مائة مليار دولار تقع خارج المراقبة الحكومية، وأنّ معظم أموال النفط تحوّل إلى جيب المرشد و«الحرس الثوري» فيتحكّمان بها، وأنّ بداية الفساد المستشري تبدأ من هنا. أما الإنجاز الكبير لروحاني خلال المظاهرات فيتمثل بأنّه حال دون «عسكرة» القمع، فتولى رجال الأمن التدخل إذ لم يتم إنزال «الحرس» ولا «الباسيدج». وهذا القرار يُسجل له شعبياً وله استتباعات كثيرة.

 

في قلب ما جرى «حرب الخلافة» غير القابلة للإيقاف طالما أن المرشد خامنئي لم يتنازل ولم يغب. المشكلة الإضافية أنه عندما كان هاشمي رفسنجاني حياً، كان المشروع البديل تشكيل «ترويكا» تدير موقع المرشد فتختفي بذلك مفاعيل الولاية المُطلقة التي لم تعد شعبية. حالياً يجب التوافق في وجود خامنئي أو المواجهة في غيابه، علماً أن «معسكر» المتشددين الذي ازداد ضعفاً ينقصه المرشح القادر على ضبط الوضع في ظل الشرخ الكبير والعميق مع «جبهة» الإصلاحيين والوسطيين، التي تبلورت شعبيتها وتقدمت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 

يبقى السؤال: أين «الحرس الثوري» من هذه «الحرب»؟

 

لا شك أن «الحرس» يُمسك بقوة بمفاتيح أساسية من السلطة والاقتصاد. ولكن يومياً تتراجع شعبيته بقوة، ويكاد يُصبح ثقلاً كبيراً على الشعب الإيراني. إذ كيف لهذا «الجسم» الذي لا يتجاوز عدد أفراده الـ125 ألف عامل وحوالى 300 ألف احتياطي، أن يسيطر على نصف الإنتاج الوطني باسم الدفاع عن الثورة، في حين أن الجيش المُكلف بحماية إيران خلفه بكثير؟ توجد روايات كثيرة حول كيف نَخَرَ الفساد المالي والسلطوي جسم «الحرس»، يكفي أن أحمدي نجاد الذي جاء إلى الرئاسة بعد أن خدم في الحرس، قد وصف «إخوته» السابقين «بالإخوة المهرّبين»!

 

ما رفع منسوب المعارضة الشعبية لـ«الحرس»، تدخله الواسع في الخارج، أي في لبنان وغزة وسوريا والعراق ومؤخراً في اليمن. هذا التدخل بالنسبة للإيرانيبن، مرفوض مهما كانت شعاراته ونبراته، لأنه يستنزف الخزينة الإيرانية. شعار «لا غزة ولا لبنان»، هو صرخة الرفض الشعبية لهذا الانخراط الاستنزافي.

 

إلى جانب هذا، تتراكم مفاعيل أحداث ووقائع يومية، تؤجّج النار الكامنة تحت الرماد، لأنّ معالجتها لا تبدو واقعة في المستقبل المنظور، من ذلك:

 

* استمرار المعدل المرتفع للبطالة، وهي حسب الرقم الرسمي 12 في المئة علماً بأن نسبة البطالة لدى الخريجين الجامعيين في المدن تبلغ 21 في المئة. بينما في كرمنشاه الكردية والأهواز العربية وبلوشستان، تصل إلى 60 في المئة لتصبح قنابل قابلة للانفجار عاجلاً أو آجلاً، خصوصاً أنها امتزجت بالقضايا القومية والمذهبية السنّية مؤخراً. هذا الداء العميق ينخر المجتمع الإيراني بحيث يوجد مليون ونصف مليون مدمن على المخدرات.

 

* التضخم، وهو حسب مركز الإحصاء الإيراني 8 في المئة، مع كل مفاعيله السلبية على الحياة اليومية للإيرانيين.

 

* الحريات. قد تكون الحرية الشعبية المُمارسة واليتيمة هي حق الاقتراع التي تعطي صورة زاهية للخارج. فيما عدا هذه الممارسة فإن ممارسة القمع وأساليبها فريدة من نوعها في إيران. حسن روحاني مثال دائم فعندما غضب عليه المرشد أُدخِلَ عالم الصمت لسبع سنوات. كذلك ما يحصل مع محمد خاتمي ومهدي كروبي ومير حسين موسوي ومحتشمي وأبطحي… كافٍ.

 

أما الكتّاب والصحافيون والفنانون فحدّث ولا حرج والأسماء أصبحت معروفة رغم مضي سنوات على تكميم وكسر الأقلام.

 

مشكلة كبرى تنخر إيران وهي الفصام الضخم الواقع بين طبقة حاكمة منذ 25 سنة ومعدل السن فيها سبعون سنة، وشعب أكثر من نصفه (حوالى 40 مليون نسمة) تحت سن الـ35 سنة. ما يحلم به هذا النصف مختلف إلى حد التناقض مع النصف الحاكم، خصوصاً في كل ما يتعلق بالشعارات الثورية والمعادية للغرب وللإنترنت والمواقع الاجتماعية.

 

حتى الآن حسن روحاني لا يريد أن يكون «غورباتشوف» إيران ولا حصول «بيروسترويكا» إيرانية، بل يريد أن يكون دينغ سياوبنغ الصيني الذي يحدّث إيران ويطوّر النظام.

 

السؤال هل يقبل المتشدّدون «بالخيار الروحاني» فينقذون إيران، أم يصرّون على استمرار الحال على حاله فيصبح مصير الجمهورية الإسلامية في إيران على مثال الاتحاد السوفياتي؟