كل المعطيات تشير الى أن بنك لبنان والمهجر هو المستهدف من التفجير الارهابي أمس. طريقة زرع العبوة ومكانها وتوقيت تفجيرها تؤكّد أن من يقف خلف العملية الاجرامية أراد أن تتجاوز مفاعيلها الأضرار التي أحدثتها. ولأن لبنان بلد العجائب والغرائب، وبلد التحليلات والاتهامات المسبقة، فلا بد من مقاربة الأمر بهدوء، بمعزل عن الادانة الكاملة، غير المرتبطة بأيّ «إذا» أو «لو». وهي إدانة تفترض المطالبة الملحة بضرورة كشف الفاعلين، وبضرورة تعاون كل الاجهزة والجهات القادرة على المساعدة للوصول الى نتيجة سريعاً.
الاستنتاجات السريعة تشير، بوضوح، إلى أن هناك من سيوجّه أصابع الاتهام الى حزب الله. سيستند هؤلاء الى «عناصر اتهامية» ترتكز على اتهام الحزب للمصرف المذكور بأنه الاكثر حماسة لتلبية المطالب الاميركية بمحاصرة المقاومة مالياً، والأكثر استعجالاً لتطبيق القانون الاميركي المتعلق بالعقوبات المالية على حزب الله وأفراده.
العودة الى تحضير المتهم قبل
الجريمة لن يغيّر في الحقائق، وواجب
الدولة كشف الجريمة في أسرع وقت
وسيخرج من يدعم هذه النظرية بالقول إن التفجير عبارة عن رسالة صوتية قوية، لأن طريقة زرع العبوة وموعد تفجيرها، حيث لا موظفين في المصرف ولا مارة في توقيت الافطار، يعززان فرضية أن من قام بالعمل أراد توجيه رسالة الى المصرف لا قتل الناس.
وكذلك، سيكون هناك من يتهم آخرين بالوقوف خلف التفجير أو التمهيد له. من ذلك، مثلاً، اتهام «الأخبار» بأنها حرّضت على المصارف، وعلى بنك لبنان والمهجر تحديداً، في معرض انتقادها لطريقة تعامل الحكومة والمصرف المذكور مع القانون الاميركي الاخير. أصحاب هذا الاتهام سيخبرون الجميع بأن علاقة قوية تربط «الأخبار» بحزب الله، وبأنها شريكة في إعداد المسرح لعملية التفجير.
في المسألة الاولى، وكما يصرّ المغرضون على العودة الى الرواية نفسها حول التفجيرات، نعود الى الرد نفسه: ما دامت هوية المتهم قد حُدِّدت سلفاً، فمن المنطقي أن يكون خصوم هذا المتهم، أيضاً، في دائرة المشتبه في وقوفهم خلف العملية الاجرامية. وعدم أخذ هذا الاحتمال بجدية في التحقيق، سواء من إدارة المصرف أو الجهات الرسمية أو الاجهزة الأمنية، سيكون بمثابة تغطية لمشتبه فيهم. لذلك، وجب تحذير الجميع، أو لفت الانتباه، الى أن التصرف بلامهنية مع عمل جنائي إرهابي سيفتح الباب واسعاً أمام تكهّنات غايتها تسعير الوضع لا تهدئته.
وفي هذا السياق، فإن حزباً كحزب الله ليس صاحب مصلحة في عمل سيبرّر القانون المشكو منه أصلاً. كذلك فإنه يعرف جيداً أن مثل هذه الاعمال لن توقف تطبيق القانون الاميركي، وأن المصارف المتورطة في الاستجابة لهذا القانون، تواجه أصلاً الضغوط الناجمة عن أخطاء ارتكبتها هي. وهي أخطاء يعرف الاميركيون حجمها وخطورتها، وهم أصلاً يبتزّون المصارف بها، لضمان التزامها بتطبيق القانون كما يرد من واشنطن.
وفي هذه المسألة، سيكون حزب الله، مثل بقية اللبنانيين، معنياً أكثر من غيره بكشف حقيقة ما حصل، وبإلقاء القبض على الفاعلين، أياً تكن هويتهم أو مذهبهم أو وجهتهم. وسيكون الحزب صاحب مصلحة في الضغط على الاجهزة الامنية للقيام بعمل محترف وسريع للوصول الى نتائج أكيدة. وربما يمكن الحزب المساعدة في جانب من هذا الامر إن اقتضى الموقف ذلك.
أما في المسألة الثانية، واتهام الصحافة ــــ و»الأخبار» على وجه التحديد ــــ بالتحريض، فمن المفيد هنا، أيضاً، التحدث بهدوء، وبوضوح وحزم في الآن نفسه، حتى لا يبقى شيء مبهماً أو عالقاً. فالصحافة عموماً، و»الأخبار» على وجه الخصوص، لا تحب عمليات ربط النزاع، أو التصرف مثل السياسيين، حيث الحسابات المخفية أكبر من تلك الواضحة. لذلك، وجب قول الآتي:
أولاً: إن المكان الذي زرعت فيه العبوة هو طريق فرعي يسلكه غالبية الزملاء في «الأخبار»، ويركنون فيه سياراتهم. وأمس كان يوم عمل عادياً في الجريدة، وخطر تعرّض أي من الزملاء لضرر جراء الانفجار كان حقيقياً. وقد تضررت بالفعل سيارات بعضهم.
ثانياً: لا ندّعي أننا هدف للتفجير، وليس لدينا ما يدفعنا إلى الشك في احتمال كهذا، اللهم إلا إذا كشفت التحقيقات عن عناصر مفاجئة، علماً بأن التهديدات التي نتلقاها بصورة دورية كافية لنفترض كل شيء.
ثالثاً: نحن دفعنا، منذ صدورنا قبل عشر سنوات، فاتورة نقدنا للطبقة السياسية، وللسياسات المدمرة لفريق 14 آذار. وقد اتُّهمنا، على الدوام، بالمشاركة في التحريض على قوى وشخصيات تعرضت لاعتداءات إرهابية. ومع ذلك، لا نعتقد بأن مهمتنا في نقد السياسات الخاطئة، أو تظهير البشع من صورة القابضين على روح البلد، يجب أن تتوقف لأن هناك من يتصرف بطريقة مختلفة.
رابعاً: إن نقد «الأخبار» للمصارف ليس نابعاً فقط من استهدافها حزب الله بحجة تطبيق القانون الاميركي، وهي اتخذت دائماً مواقف لا تعجب المصارف، سواء بتناولها السياسات العامة التي تفيدها أو بفضحها الكثير من ملفات الفساد المتصل بعملها. أما نقدنا لطريقة تعامل بنك لبنان والمهجر مع تطبيق القانون الأميركي فنقد مهني، وهو يشمل كل من يتورط في إجراءات تهدف، أولاً وأخيراً، الى محاصرة المقاومة. وهو نقد سيستمر ولن يتأثر بما حصل. وأيّ تفجير، هنا أو هناك، لن يكون من شأنه وقف النقاش الضروري في سياسات المصارف وما تقوم به في ملف العقوبات الاميركية. وإلا فسيصل الامر بنا إلى حدّ اتهام القطاع بالوقوف خلف التفجير بقصد كمّ الأفواه، وهو أمر لا نتوقعه ولسنا على اقتناع به.
وأخيراً، يدرك كل المعنيين والمتعاطين عن قرب بالشؤون المحلية والاقليمية أن بلادنا تواجه أسابيع قاسية، تمثل انعكاساً طبيعياً لما يجري من حولنا، حيث تشتد المواجهة بين محورين حول مستقبل المنطقة، وحيث يستمر الارهاب على أنواعه، السياسي والاعلامي والامني والاقتصادي، في محاولة لخنق الاحرار في كل المنطقة، وفي لبنان أيضاً. وبالتالي، فإن رسم صورة واضحة لكل المشكلة من شأنه دفع الجميع الى مزيد من الهدوء والتبصّر، سواء خلال مقاربة ما حصل أمس، أو من خلال مقاربة كل ما هو مطلوب من لبنان الالتزام به.