على وَقع الحراك الجديد لممثلي الخماسية العربية ـ الدولية تعددت الآراء الى درجة تناقضَت فيها السيناريوهات المؤدية إلى «خريطة طريق» واضحة يمكن ان تسرّع في انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية. فبعض المؤشرات توحي بأنّ تركيبتها تتجه الى «اللبننة» وقد تتحول صورة تعكس ميزان القوى السلبي في المجلس النيابي العاجز عن انتاج أكثرية خاصة بانتخابه. وأيّاً كانت الأسباب التي قادت الى هذا الواقع فإنّ مرجعاً سياسياً تخوّف من ان تكون قد اكتسبت هذه الصفة ؟
ليس من السهل التوصّل الى خلاصة نهائية يمكن ان تعكسها الحركة الديبلوماسية التي تشهدها الساحة اللبنانية قياساً على حجم الملفات المطروحة، من تلك التي تعني الأزمات الداخلية او تلك التي تعكسها العمليات العسكرية في جنوب لبنان ربطاً بما يجري في قطاع غزة لطريقة وقف التصعيد على الجبهتين. وكل ذلك يجري على قاعدة الفصل بينهما، وإنهاء الربط الذي قام بمبادرة لبنانية بين تداعياتها والسعي الى انتخاب رئيس الجمهورية العتيد بما يؤدي الى اعادة بناء عقد السلطات الدستورية التي لا تكتمل من دونه والمباشرة في وقف الانهيارات المتناسلة من قطاع الى آخر إلى ان شملت وجوهها المتعددة الاقتصادية والنقدية والسياسية والادارية بما تفرضه أصول التعاطي والتعاون بين المؤسسات الدستورية.
وما كان لافتاً انّ الغليان الديبلوماسي الداخلي الذي تجلّى بالتحركات التي قام بها سفراء «الخماسية الدولية» ومعهم السفير الايراني في بيروت الذي شكّل طرفاً في هذا الحراك بمبادرة سعودية، قد واكبته حركة زوّار غير مسبوقة في اتجاه ترجمته زيارات وزراء خارجية المانيا وايطاليا واسبانيا ومعهم الموفد الاميركي عاموس هوكشتاين وموفدي الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة بمختلف هيئاتها الديبلوماسية والانسانية والامنية المعنية بقوات «اليونيفيل»، والذين أجمعوا على نقل مزيد من الرسائل الداعية الى «وقف التصعيد» في الجنوب لتجنيب لبنان مزيداً من تداعيات الحرب على قطاع غزة وما تسبّبت به من مواجهات في أكثر من دولة من سوريا والعراق الى البحر الأحمر والحدود الايرانية ـ العراقية والباكستانية.
وبمعزل عن مهمة أيّ من الزوار والموفدين الذين تلاقوا على اكثر من هدف، فإنّ ما يمكن ان يؤدي الى الدمج بين مجموعة الرسائل التي تلقّاها لبنان عَكسَته حركة سفراء الخماسية بنحو أكثر دقة لمجرد انها قاربت ملفات الداخل من باب الفصل فيما بينها وأزمات المنطقة. وهو ما تسبّب بكثير من الجدل حول امكانية تحقيق ذلك، والإفادة من «فرصة نادرة» وَفّرها الاهتمام الدولي لإمرار الاستحقاق الرئاسي توطئة للاستحقاقات الكبيرة المقبلة على المنطقة فور التوصل الى حل سياسي للوضع المتفجر. فلبنان في صلب ما هو مطروح من مخارج تُحاكي مستقبل قطاع غزة ودور السلطة الفلسطينية وصولاً الى الوضع في لبنان، ولا يمكن للبنانيين ان يحضروا على طاولة المفاوضات بحكومة تصريف اعمال ومجلس نيابي يعمل «على القطعة»، وفقدان الناظم بين المؤسسات ألا وهو رئيس الجمهورية.
وتأسيساً على هذه المعادلة، فقد توقف المراقبون أمام جديد حراك «سفراء الخماسية» بمزيج من القلق على مستقبل مهمتهم، خصوصاً عند استعراضهم للعوائق التي حالت دون التوصل الى حل رئاسي حتى الامس، على رغم من مجموعة المبادرات التي تناوَب عليها الموفدون القطريون بعد الفرنسيين من دون اغفال الاقتراحات الاميركية والسعودية. ولذلك بنيت الآمال على ما يُنبىء به التحرّك الديبلوماسي الجديد وخصوصاً الحديث عن «طحشة» سعودية محتملة للدخول على الخط في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية تزامناً مع وجود الموفد القطري في بيروت والإستعدادات التي بدأها الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان للعودة في جَولته السادسة الى بيروت بعدما أمضى اياماً عدة في الدوحة والرياض قبل انطلاق الورشة السعودية الاخيرة في لبنان.
وفي غياب اي معطيات دقيقة عمّا أنتجته اللقاءات الاخيرة، فقد تجددت القراءات المتناقضة حول ما رافقَ بعض الاحداث الاخيرة. فتعطيل اللقاء الموسّع للسفراء الخمسة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الثلاثاء الماضي، سواء تمّ تأجيله او صرف النظر عنه، حملَ البعض الى ربط ما حصل ببعض التباينات. وقد توزّعت بين قائل انّ اللقاء الذي جمعَ السفير السعودي وليد البخاري بنظيره الايراني مجتبى اماني قبل 24 ساعة على موعد اللقاء لم يكن مشجّعاً للاقدام على اي خطوة غير محمية الجانب، فيما رَد آخرون مصير اللقاء الى موقف استباقي للسفيرة الاميركية الجديدة في بيروت ليزا جونسون التي دعت الى التريّث في تحديد أي موعد على هذا المستوى لاستكمال جولتها التقليدية على القيادات اللبنانية بهدف التعارف قبل الغَوص في برامج من هذا النوع.
وطالما انّ أيّاً من أصحاب الشأن لم يتبرع بالحسم بين هذه الاسباب فإنّ هناك من يتحدث عن نوعٍ من المناكفات بين أعضاء اللجنة تَجلّت بالتسريبات الملغومة عن سباق سعودي ـ قطري مُستجد يتزامَن مع رغبة اميركية في اعادة نظر بالآلية المعتمدة إن صَح القول انّ لها ملاحظات على أي مشروع يؤدي الى توسيع اللقاء بضم إيران الى مجموعة الخمسة. علماً انّ مثل هذه الخطوة قد تم وأدها منذ فترة طويلة سبقت عملية «طوفان الاقصى» وما تسببت به من أحداث متفرقة عَزّزتها الملاحظات حول دور طهران في ما يجري في اكثر من منطقة استهدفت فيها القواعد والمصالح الاميركية.
والى هذه المؤشرات السلبية، ثمّة من يعتقد بوجود أسباب مختلفة أعادت مساعي «اللجنة الخماسية» الى نقطة الصفر. فقد أمضت ما يُقارب العام، إن احتسبت المهلة بولادة اللقاء الخماسي من باريس في 6 شباط العام الماضي، من دون الخروج من منطق البحث عن المواصفات التي يجب ان يتمتع بها «المرشح العتيد» لرئاسة الجمهورية وفقدان اي امل في أن تلاقي القيادات اللبنانية هذا التوجّه بإيجابية. والدليل ليس صعباً طالما انّ «الثنائي الشيعي» ما زال متمسكا بمرشحه الوزير السابق سليمان فرنجية ومعارضيه من «السياديين» بالتقاطع على الوزير السابق جهاد ازعور، على رغم من إمكان انتقال مؤيديه الى خانة «العونيين الجدد» ان اأجمعوا على ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون.
قد يكون ما سبق غيض من فيض ما هو مطروح من سيناريوهات متناقضة في الكواليس السرية عند مقاربة الاستحقاق الرئاسي، إذ يبدو لمرجع سياسي عتيق ان «ضبابية» موقف الخماسية وتراجع بعض اعضائها عن الغوص في بعض الاسماء لتزكية ايّ من المرشحين على آخرين لمصلحة «التوافق اللبناني المفقود» قد يؤدي الى «لبننة» الخماسية. فهو يعتقد انها تعاني اليوم من «ثنائية» تواجه «ثنائية» أخرى بوجود «حيادي» واحد في مواقفها من الاستحقاق الرئاسي، وقد تخرج المعادلة الى العلن ان تجاوزت هذه الخماسية البحث في «منطق المواصفات» المُعتمَد الى «مرحلة الاسماء» وصولاً الى القول انّ ضَمّ ايران إليها يجعلها «سداسية» تعاني «المناصفة» بين «ثلاثيتين» إن عدلَ الحيادي عن موقفه.
عند هذه الملاحظات يتوقف المراقبون في مقاربتهم لجديد الخماسية في خطوةٍ تعبّر عن فقدان الأمل في إمكان حصول اي متغيرات في الوقت الراهن. وان انتصرت نظرية الربط بين الاستحقاق الرئاسي ومصير الحرب في غزة كما يقول قادة «جبهة المساندة»، فإنّ الحديث عن «لبننة الخماسية» قد يصبح متأخراً، ذلك انّ هناك من يعتقد أنها قد اكتسبت صفتها وشهادتها من قبل وان لم يعلن ذلك بعد صراحة.