يمكن الجزم بأن معظم اللبنانيين نسوا عدد المرات التي أخفق فيها المجلس النيابي في انتخاب رئيس للجمهورية (31 مرة)، وإن كانوا يذوقون يومياً مرارة تعطيل هذا الانتخاب. لكن المفارقة في جلسة الأمس التي تم تأجيلها إلى 2 كانون الأول المقبل لعدم توفر النصاب، أنها عقدت على بعد أقل من 24 ساعة من انعقاد جلسة لمجلس النواب تحت عنوان «تشريع الضرورة»، ويبدو أنه سيكتمل نصابها بعد أن قدمت الأطراف المعنية رؤيتها لأهمية هذه الجلسة، وهذا ما لفت إليه الرئيس سعد الحريري من أن «البلاد تمر بظروف صعبة ومعقدة تستوجب منا جميعاً التضامن للعبور بالوطن إلى بر الأمان» معلناً مشاركة تيار المستقبل في الجلسة التشريعية اليوم «لإقرار المشاريع المالية التي تتعلق بمصلحة لبنان المالية والاقتصادية وعلاقته بالمجتمع الدولي«، وقد سبق كلام الحريري إعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أنه «أبو الميثاقية« و»أن للمجلس النيابي الحق في التشريع ولا يتعطل أبداً، وهذا لا يعني عدم الاهتمام بانتخاب رئيس الجمهورية فهو أولى الأولويات بدليل أن التعطيل مستمر منذ حوالى السنة ونصف السنة ولم ننتخب رئيساً«، في حين أكد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح« النائب ميشال عون، أنه سيشارك في الجلسة «لإقرار القوانين المطروحة وخصوصاً المتعلقة بالاتفاقات الدولية والقروض، لأن كل الإشكالات التي كانت موجودة في جدول أعمال مجلس النواب لجلسة اليوم قد زالت».
كل ما سبق يظهّر المشهد التالي: جلسة تشريع الضرورة، توازي بأهميتها جلسة انتخاب رئيس من دون المقارنة بينهما، فانتخاب رئيس يعني عودة الرأس إلى الكيان اللبناني ويعيد إليه القدرة على إنعاش المؤسسات الدستورية، في حين أن التشريع المالي في مجلس النواب يضمن استمرار الحياة في الاقتصاد اللبناني ويجنبه التصنيف السلبي على الصعيد الدولي، وهذا ما يوافق عليه عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري، لافتاً لـ«المستقبل« الى أن «الأولوية تبقى لانتخاب رئيس لأنه المدخل لكل الحلول، لأن مجرد انتخاب رئيس يعني حكومة جديدة وقانوناً انتخابياً جديداً وهي خارطة الطريق التي طرحتها كتلة المستقبل»، في حين يعتبر عضو كتلة «القوات اللبنانية« النائب أنطوان زهرا أن «جلسة تشريع الضرورة مصلحة وطنية عليا، لكن وجود لبنان كدولة وكيان ومؤسسات لا يستقر إلا بانتخاب رئيس للجمهورية، لأن ذلك يعني ضمان عدم دخول لبنان في أزمة سياسية كالتي نعيشها اليوم وهذه الأهمية لا يعلو عليها أي شيء آخر».
ويشير عضو كتلة «التحرير والتنمية« النائب ميشال موسى الى أن «الجلستين مهمتان، لكن انتخاب رئيس هو أولوية توقف التعطيل في مجلس النواب وتعيد البلد إلى مساره السياسي الصحيح وتسحب الذرائع من الأفرقاء الذين يحاولون التعطيل تحت مسميات عدم وجود رئيس«، ويقارب عضو كتلة «الكتائب« النائب إيلي ماروني النظرة إلى جلسة انتخاب رئيس وجلسة التشريع من زاوية مختلفة، ويقول «إن جلسة انتخاب رئيس هي الأهم لأنها تعني تطبيق الدستور والاستقرار في كافة المجالات ، والدستور يقول إن مجلس النواب يتحول إلى هيئة ناخبة حتى انتخاب رئيس وبالتالي ما بُني على باطل فهو باطل«.
من جهته يعتبر عضو تكتل «التغيير والإصلاح« النائب حكمت ديب أن «الأمور كلها تعود إلى نقطة واحدة وهي ضرب مفهوم الشراكة الذي على أساسه بُني لبنان، وأصبحت مكرسة في الدستور والميثاق الوطني، وبدون هذه الشراكة كل الأمور تعود إلى نقطة الصفر، أي الشراكة في قانون الانتخاب وفي انتخاب رئيس جديد له تمثيله الشعبي وفي التشريع لتأمين مصلحة الدولة العليا، وبالتالي الشراكة السياسية الحقيقية هي التي تؤمن الاستقرار الأمني والاقتصادي شرط أن تكون مكرسة وليست مجرد شعارات«، في حين يضع عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب غازي العريضي جلستي انتخاب رئيس وتشريع الضرورة في الأهمية نفسه، ويقول: «إذا لم ننتخب رئيساً ونشرع ونتفق على قانون انتخاب فهذا يعني أن البلد فرط».
ويضيف: «هناك مشكلة حقيقية لا يمكن حلها إلا بالتسوية، فهناك فريق لا يحضر انتخابات إلا إذا تم الاتفاق مسبقاً، وفريق آخر لا يأتي إلا إذا اتفقنا على قانون انتخاب، وإذا لم نتفق فماذا نفعل؟ ما نريده هو أن نتفق على البارد، لأن الاتفاق على الحامي يصبح اتفاق الضرورة، ونصبح مرغمين، وهذا ما يحاول الرئيس نبيه بري تجنبه من خلال تسوية».
أما الوزير السابق يوسف سعادة فيلفت الى أنه «لا يجوز المقارنة بين الاستحقاقين، فجلسة التشريع أساسية وضرورية وملحة وعلينا المشاركة فيها وإقرارها، في حين أن هناك انقساماً حول انتخاب الرئيس سياسياً وبالتالي لا يجوز ربط الاستحقاقين والمقارنة بينهما».
وبحسب حوري، فإن وضع جلسة انتخاب رئيس في أولوية الشروط للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، لا تنفي بحسب حوري «الإقرار بضرورة التشريع، لأنها تبقي على الوضع السيئ وتمنع عنه الغرق في المجهول والتعرض لظروف دولية هو في غنى عنها في الوقت الحالي».
ويوافقه زهرا الرأي لافتاً إلى أن «جلسة اليوم مخصصة للتشريعات المالية وهي أمور ملحة، كما أن إدراج قانون استعادة الجنسية على جدول الجلسة أمر إيجابي جداً«. ويعتبر موسى «أنه لا بد من إقرار القوانين التي تحفظ صورة لبنان الاقتصادية والمالية في المحافل الدولية»، أما ماروني فيدعو إلى»التوقف عند مفارقة أن النواب الذين سيحضرون جلسة التشريع هم أنفسهم الذين يرفضون حضور جلسة انتخاب رئيس»، مشدداً على أنه لا يجوز التذرع بالضرورات المالية والاقتصادية للهروب من انتخاب رئيس، وبالتالي الكل مسؤول عن إضاعة الفرص والوقت، ونشعر بأن هناك تواطؤاً شاملاً لعدم انتخاب رئيس للجمهورية».