IMLebanon

نصاب الحرب إذ يكتمل

يُقال إن الديبلوماسية هي الحرب بوسائل أخرى. وبالقياس، فإن التعطيل هو تدمير بطرق اخرى. ولو كان القادرون على الحرب يملكون قرارهم لما تأخروا في إشعالها، ولن يمنع زعمهم الغيرة على السلام الداخلي نزوعهم الى القوة المسلحة إن أتاهم أمر اقليمي لم يتجاهلوه يوما، من حرب تموز 2006، التي خرقت التعهد بصيف هادئ، الى 7 أيار 2008، الذي أسقط مقولة “السلاح ليس ضد الداخل”، انتهاء بالمشاركة في الحرب السورية رغم “النأي بالنفس”، وقبلها اسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري. وكما سوّغ القرار الإقليمي اتهام الخصوم بالعمالة لاسرائيل وأميركا وتهديد السلم الأهلي، فإن الحرص اليوم على تهدئة خطاب الحزب إياه، ليس سوى قرار آخر بانتظار استقرار توازن القوى الاقليمي – الدولي، ما فرض الحرب الباردة اللبنانية، ومن تجلياتها وقوف لبنان اليوم على حافة الهاوية، بحيث لا يسقط فيها، لكنه يُمنع عن الاستنقاذ منها.

تخاض الحروب الدموية بهدف واحد هو تغيير الأنظمة. وقد بدأت جميعا بإسقاط النظام السابق وإطاحة رأسه، كما حدث مع صدام حسين، ومعمر القذافي وزين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح. والدول التي كان يحكمها هؤلاء تتقاتل شعوبها لإيجاد موازين قوى تحدد النظام البديل، وترسم بالدم تراصف الولاءات.

وفي لبنان أطيح رأس الجمهورية، سلماً، بمنع انتخاب رئيس، بعد انتهاء ولاية العماد ميشال سليمان، وأعلنت معركة تغيير النظام بعناوين عدة، مستحيلة، منها ما رفعه ميشال عون كانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة، وإلا “انتخابات نيابية فوراً وبلا انتظار” “والرئيس القوي”، و”الأكثر تمثيلاً للمسيحيين” و”الممر الالزامي”، وصاحب الحق الطبيعي (؟!) في الرئاسة. ومنها ما فضحه حزب الأمين العام مباشرة إذ وضع البلاد أمام حالين: “إما انتخاب عون أو الفراغ”، كما قال الشيخ نعيم قاسم.

واذا كان رئيس مجلس النواب “ابتدع” نظرية نصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية في كل الجلسات، خلافاً للنص الدستوري الواضح، فذلك لخوفه الضمني من شق وحدة البلاد بلجوء الفريق المسلح الى السلاح، لفرض مرشحه، وهو تبرير لم يعلنه، لكن فهمه الجميع، واستغله الحزب وعون بمنع اكتمال النصاب منذ أكثر من سنة ونصف سنة، بما يشبه محاولة فرض إذعان لانتخاب عون. حتى ان هذا، شخصياً، “انتشى” بتوقيع الاتفاق النووي، وعده نصراً لإيران، واراده أن ينعكس بانتخابه رئيساً، لكونه امتداداً محلياً لـ”الممانعة” الاقليمية، كما قال، مناقضاً نفسه وزعم استقلاله ولا تبعيته للخارج.

نتائج الحرب اللبنانية الباردة لا تختلف عن الحروب الدموية في المنطقة: تعطيل الحياة العامة، وتفاقم الأزمات الإجتماعية، وتدهور الأوضاع الإقتصادية، وتفلت المؤسسات العامة، وتوطن اليأس في النفوس، والهجرة البحرية بجوازات سورية مزورة.

إنه نصاب الحرب إذ يكتمل.