IMLebanon

المحاصصة في الوظائف ولغة العقل

اؤيد الدولة المدنية التي تحدث عنها المطران الراحل غريغوار حداد، المنطلقة من علمانية لا تناقض الدين وتحاربه. هي تحترم الدين وهو يقبلها. علمانية في التعامل تؤدي الى دولة مدنية تساوي بين ابنائها في الفرص والواجبات. علمانية غير ملحدة تحترم خيار الانسان في علاقته بربه. لكننا والحال طائفية مذهبية الى العظم في لبنان، نجد انفسنا اسرى “الصيغة” التي قامت على تحالف الاقليات والطوائف والمذاهب، وبالتالي تقاسم الحصص في الوظائف والمسؤوليات العامة. واذا كان الموارنة أفادوا من ظروف قيام لبنان الكبير، وجعلوا لأنفسهم امتيازات، وظلموا مسيحيين قبل المسلمين، فان هؤلاء الاخيرين، في مرحلة ما بعد الحرب، تجاوزوا منطق العدد الذي صار في مصلحتهم، واكد الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان المناصفة مبدأ لا يخضع للتعداد، وهو ما كرره نجله الرئيس سعد الحريري بقوله “أوقفنا العد”، وهو الموقف الذي اكده مراراً الرئيس نبيه بري عبر تمسكه بالطائف.

والمناصفة مصلحة لكل الاطراف، للمسلمين الذين، بالمحافظة على المسيحيين، انما يضمنون بقاء لبنان الحضاري المتعدد المتنوع، وللمسيحيين كضمانة لوجودهم ومشاركتهم الفاعلة في السلطة رغم تناقصهم العددي المستمر. وما دامت المناصفة قائمة، والجميع ينفي سعيه الى مثالثة او ما شابه، فان تقاسم الوظائف هو تالياً حق، وليس منة من أحد، والمطالبة بها حق ايضا. لكن الوقوع في فخ اللحاق بوظيفة او بموقع بعينه خطيئة في ذاته، لان دور المسيحيين لن يكون مرتبطا برئاسة دائرة المكلفين في وزارة المال او اي موقع مشابه، بل بمجمل العدد، وبالصلاحيات، وبالدور الذي يؤديه المسيحيون بناة نهضة، وحراس هيكل المؤسسات، وحماة الدستور. هكذا يكون دورهم الفاعل والحاجة والضرورة.

ومعالجة الخلل الحاصل في وزارة او في اخرى يتم بهدوء. وبعد استنفاد الفرص، تكون المواجهة المباشرة المثبتة بالوقائع والارقام والجداول، لا ببيانات ملتبسة، وربما يذهب بها الى المراجع القضائية لنقض قرارات تتناقض والصيغة ومبدأ العيش المشترك.

ما حصل الاسبوع الماضي كان “دعسة ناقصة” تحتاج الى تصويب. وما حكي عنه في وزارات المال والاشغال والصحة والشؤون خطير جدا اذا كان صحيحاً، ويجب المضي به الى النهاية. اما اذا كان ما ابرزه بعض الوزراء حقيقياً، او فيه جزء من الحقيقة، فيجب الاعتذار لبعضهم، كي لا تضيع الحقيقة.

والمطالبة بالحقوق ليست اثارة مذهبية بل حق قانوني ودستوري، ويجب إعمال العقل فيه كي لا تتعمق الهوة المذهبية. ولعل صوت العقل في هذه الاثارة كان وزير الداخلية نهاد المشنوق، الذي اطل من البطريركية الكاثوليكية ليقول: “كلي رجاء ألا يبالغ المسيحيون في التعبير عن المظلومية، كما ارجو ألا يبالغ المسلمون في القفز فوق موجبات الحد الطبيعي الذي يشعر المسيحيين بشراكة عادلة”. وختم سائلا: “اين تصرف الحقوق الصغيرة اذا اندثرت اسس الدولة وطار الكيان؟”.