Site icon IMLebanon

عن «العورات التنظيمية» للعونيين في الاستحقاق البلدي

خطوتان أساسيتان لجأ اليهما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل اعتقاداً منه أنه سينجح بواسطتهما في اقفال صفحة الانتخابات البلدية «المشوهة»، ليس نتيجة ارتكابات السلطة، وانما بفعل خطايا العونيين بحق بعضهم البعض أولاً، وبحق التنظيم ثانياً.

نفض بداية يديه من الفوضى التي دبّت في تنظيمه بحجة أن الحزب لا يزال قاصراً لم يبلغ بعد سنّ الرشد، مرتكزاً الى موعد المؤتمر العام في شهر آذار الماضي كنقطة انطلاق، وكأن كل المسار السابق لم يكن موجوداً بالأساس ولم تأت المأسسة كتتمة للمسيرة الطويلة للتيار، ملقياً بكل تلك التجربة في سلّة المهملات.. أو هو نوع من الهروب الى الأمام كما يقول معارضوه.

وثانياً، أقفل حلبات الملاكمة التي شهدها «التيار» خلال الانتخابات البلدية بطوباوية مطلقة وفق قاعدة «عفا الله عما مضى»، واضعاً تاريخ 15 حزيران كبداية رسمية لعهد الثواب والعقاب، لأنه كان مقتنعاً بأن رفع سيف المحاسبة على ما يعتبره «ارتكابات» و «تجاوزات» بلغت حدّ «التمرّد»، دونه صعوبات كثيرة تمنع استخدامه.

يعرف باسيل كما المؤيدون لمنطق «الحسم العقابي» أنّ رفع البطاقة الحمراء بوجه كل من خالف قرارات القيادة التحالفية أو خياراتها الانتخابية، لا يمكن أن يطبّق انتقائياً. فإما أن يكون أو لا يكون. هكذا من الصعب وضع رقبة زياد عبس كما كان يريد البعض، تحت المقصلة من دون غيره.

فقد حفلت المحطات الانتخابية الأربع بجولات من الكباش العلني بين عونيين ورفاقهم، وكلهم يحملون البطاقات البرتقالية، كاسرين «حرمة» الانتظام الداخلي وهيبة الحزب. من الأشرفية، الى سنّ الفيل، جل الديب، جزين… وغيرها من مواقع المصارعة بين «الأخوة» التي امتدت على مساحة كل الخارطة التي خاض عليها التيار مواجهاتها الانتخابية، والتي ان استدعت تدخلاً من جانب القيادة لتصويب المسار، فكان يفترض تعميمه لا تقزيمه الى حدود حالة أو حالتين.

فعلياً، حاولت الرابية «الاقتصاص» من زياد عبس وهيئة بيروت الأولى في التيار المحسوبة عليه بعدما جره فتح تحقيق في الموضوع، وتمّ تبليغ «المشاغبين» بطريقة غير رسمية بأنّ «يوم الحساب» قد دنا. لكن ردة الفعل الاعتراضية التي أثارتها هذه التسريبات، أدت الى سحبها من التداول والعودة عنها لمصلحة «العفو الجماعي».

هكذا، يقول أحد عارفي خبايا «التيار» ومتابعي مساره التنظيمي، إن الاستحقاق الأخير أثبت أن الجنرال ميشال عون لا يزال زعيماً استثنائياً وبمقدوره أن يحرك الشارع ويفتعل موجة تأييد استثنائية به، لكنه في المقابل قدّم الحزب على مذبح التشققات الداخلية الضاربة لكل اصول الانضباط عرض الحائط…

وبينما كان ينتظر أن يقدم الحزب في أول اختبار له بعد وضع الهرمية الجديدة، نموذجاً يحتذى به تماسكاً ومتانةً وانتظاماً دقيقاً يحاكي الهيكلية الموسعة، لا بل الفضفاضة، والمتخمة بالمراكز والمواقع القيادية، أظهر الحزب تشوهاً في أدائه، لم يسبق له أن شهده في عزّ «فوضاه المنظمة».

ويقول أحد المعنيين إنّ هذه التشوهات ناتجة عن مسألتين:

ـ أولاً بفعل تضارب الصلاحيات بين هيئات الأقضية من جهة ومجالس الأقضية من جهة أخرى. وفق النظام الداخلي الحديث فإن الأولى اجرائية الطابع بينما أوكلت بالثانية مهمة الاتصالات السياسية للقضاء. وحين طرقت الانتخابات البلدية الأبواب، تداخلت الصلاحيات بين الهيئتين، وحيث بدت القيادة مرتاحة لأداء الأولى وخياراتها الانتخابية تركت لها مهمة التفاوض من أجل تشكيل اللوائح الانتخابية، وفي المناطق التي أرادت القيادة سحب البساط من تحت اقدام هيئات الأقضية، منحت مجالس الأقضية الضوء الأخضر لأخذ زمام المبادرة، أو كلفت موفداً «رئاسياً» للتفاوض باسمها، كما حصل مثلاً في الأِشرفية.

وما زاد من حالة التداخل، هو التعميم الصادر عن رئاسة الحزب والذي دعا «هيئات ومجالس الأقضية الى عقد اجتماعات متتالية مع الهيئات المحلية أو المنسقين الذين وضعوا تقاريرهم، على أن ترفع هيئات الأقضية تقاريرها الى رئاسة التيار عبر لجنة البلديات المركزية تعرض فيها المشهد الانتخابي في القضاء واقتراحاتها الخاصة حول البلدات داخل قضائها، وتحديداً البلديات الأساسية، وكذلك اقتراحاتها العامة حول كيفية خوض الانتخابات في لبنان عامة».

وما يعزز هذه المشهدية، وفق المعنيين، هي تجربة العام 2010 الانتخابية يوم كان التيار لا يزال، مقارنة بالوضع التنظيمي الحالي، متفلتاً من الضوابط الصارمة، وقد خاض حينها المعارك الانتخابية في أكثر من 490 بلدة، لكنه حافظ على متانته وتماسك صفوفه، أقله بالعلن. حينها شكلت لجنة مصغرة ضمت عدداً من القياديين العونيين تولت فكفكة العقد وحل الاشكالات التي كانت تنتج عن مشاورات التفاوض. وأهم ما اعتمدته تلك اللجنة هو تكليف شخص من خارج القضاء لتولي مهمة الوساطة والتشاور مع الأطراف المتداخلة، لسبب بسيط هو أن تكليف شخص من القضاء سيؤثر سلباً على عملية التفاوض لأن أي معني سيكون له حساباته المحلية وطموحاته الشخصية التي ستغلّب حكماً كفة على أخرى.

أما المبدأ الثاني الذي اتبعته اللجنة فكان أولوية الحفاظ على وحدة «التيار» وانتظام صفوفه، حتى لو أدى ذلك الى خسارة المعركة الانتخابية. طبعاً حصلت استثناءات كثيرة، لكن الجو العام كان سليماً بحيث انتهى الاستحقاق من دون شروخات تذكر، لأن العمل كان على تخفيف التشنج كي لا يقع العونيون في المحظور… على عكس ما انتهت اليه الانتخابات في الوقت الحاضر والتي انتهت محطاتها الأربع بكومة من الاستقالات الجماعية!

ـ غياب الماكينة الانتخابية المركزية (لم تُكلّف لجنة الماكينة الانتخابية بأي مهمة تذكر) بعدما أوكلت هذه المهمة الى الماكينات المحلية التي يفتقد العديد منها الى الخبرات، بينما تولت لجنة البلديات مهمة التنسيق بين مجالس وهيئات الأقضية، مع العلم أن رئيس لجنة البلديات عمر مسعود غرق في معركته الانتخابية في عندقت الى جانب ثلاثة أعضاء في اللجنة كانوا أيضاً مشغولين بمعاركهم الانتخابية.

أما في العام 2010 فقد تولت الماكينة الانتخابية المركزية (كان عديدها أكثر من 150 شخصا) مواكبة كل الماكينات الانتخابية المحلية لوجستياً وتقنياً وتدريب مندوبين وحتى فرز نتائج الصناديق… وهذا ما افتقدته تجربة الأمس.

يستعد «التيار الوطني الحر» لعقد مؤتمر حاشد احتفاء بالمجالس البلدية التي حصدها في الاستحقاق، في وقت يبدو فيه أنّ ذيول هذه الانتخابات لا تزال تلاحق الحزب بفعل الفوضى التي سادته، وتجلت من خلال جملة استقالات وضعت على طاولة رئيس الحزب، منها لمسؤولين في مواقع مركزية، ومنها لحزبيين منتخبين في الهيئات المحلية، وذلك نتيجة الإلتباس الحاصل حول الصلاحيات، و «فشل القيادة في ادارة الانتخابات البلدية» كما أتى في كتاب استقالة أحد القياديين.