احتفلت دول الحلف العربي – الإسلامي أول أمس بانتهاء مناورات «رعد الشمال» التي شهدتها السعودية في حضور ملكي ورئاسي رفيع المستوى لم تشهده أيّ مناورة عسكرية في تاريخ العالمين العربي والإسلامي. وهو ما فتح الباب أمام قراءة استراتيجية حول الأهداف منها فحصرها زوار الرياض بأربعة تحت عنوان واحد. فما هي؟ ولماذا؟
يؤكد زوار الرياض أنّ مناورات «رعد الشمال» التي شهدتها منشآت الملك خالد العسكرية في حفر الباطن وأربع محافظات سعودية على طول الحدود العراقية ـ السعودية كانت وستبقى من أكبر المناورات العسكرية التي أجرتها الأحلاف الدولية في العقدين الماضيين.
فلم يسبق أن شاركت 20 دولة افريقية وعربية وإسلامية بـ 350 الف عسكري وضابط ومئات قطع الأسلحة ومنها المدفعية، والدبابات، والمشاة، ومنظومات الدفاع الجوي، والقوات البحرية، في مناورات متعددة الإختصاصات والأهداف امتدت على مدى 21 يوماً. وشاركت فيها 20 ألف دبابة، 2540 طائرة مقاتلة، 460 طائرة مروحية، مئات السفن و 350 ألف جندي.
ويقول خبراء عسكريون كبار أنّ هذه المناورات استحوذت على إهتمام القيادات العسكرية والسياسية على أعلى المستويات الإقليمية والدولية بالنظر الى حجمها واتساع مسرحها وهي التي جمعت للمرة الأولى في تاريخ العلاقات العسكرية بين دول العالم، دولَ مجلس التعاون الخليجي بما فيها «قوات درع الجزيرة» والدول الأفريقية الكبرى مصر، السودان، المغرب، تونس، السنغال، موريتانيا، جيبوتي وتشاد وصولاً الى الشرق الأدنى بعدما شاركت فيها أقوى جيوش الإقليم ولا سيما منها الماليزي والباكستاني بالإضافة الى الأردني والتركي.
وبمعزل عن القراءات الأكاديمية العسكرية التي استقاها الخبراء من نوع العمليات العسكرية التي نفذت بين عشرين جيشاً. فإنها أرست قواعد جديدة للتعاون والتنسيق بين جيوش لكلٍّ منها ثقافتها وقواعد إشتباك مختلفة عن الأخرى ما عُدّ أوّل إختبار من نوعه لنقل قوات بهذا الحجم من دولة إلى أخرى وبين اسلحة مختلفة المصدر من تصنيع الغرب وروسيا، ومن صناعات محلّية وهو أمر يقود الى إمكان مشاركة هذه الدول في عمليات مشتركة في أيّ منطقة من العالم.
وعلى هذه الخلفيات، يحرّض زوار الرياض من الخبراء العسكريين على القول إنّ لهذه المناورات أهدافاً عدة تقع تحت عنوان واحد وملخصه بالمنطق العسكري كما وصفه المتحدث بإسم الجيش السعودي العميد احمد العسيري «رفع معدلات الكفاية الفنّية والقتالية للعناصر القتالية المشاركة، وتنفيذ مخطط التحميل والنقل الاستراتيجي للقوات من مناطق تمركزها إلى موانئ التحميل والوصول»، بما يحقق النقاط والأهداف التدريبية المرجو الوصول إليها، وصولاً إلى «أعلى معدلات الكفاية والاستعداد القتالي لتنفيذ مهمات مشتركة بين قوات الدول المشاركة لمواجهة المخاطر والتحديات التي تستهدف أمن مناطقها واستقرارها».
ومن هذا العنوان الإستراتيجي الكبير يمكن تحديد الأهداف الأربعة للمناورة والتي يمكن الإشارة اليها بالنقاط الآتية:
– تشكيل قوة تعبوية ضاغطة أمنياً وعسكرياً لها خلفياتها السياسية والدبلوماسية لمواجهة أيّ عمليات إرهابية وعصابات خطيرة سيطرت على مناطق سكنية ومدنية وهددت الأمن القومي والأمن الداخلي في أيّ من هذه الدول المشاركة فيها.
– مواجهة «داعش» حيث سيطرت، فألغت حدوداً بين العراق وسوريا وما ظهر لها من مجموعات تهدد أمن دول الجوار العراقي – السوري كالأردن والسعودية والجوار الليبي كتونس والجزائر ومصر وتشاد وغيرها من الدول في العمق الأفريقي.
– مواجهة الحوثيين والجمهورية الإسلامية الإيرانية في اليمن وعلى أيّة ساحة أخرى يتواجه فيها معظم دول الحلف وإيران. بعدما شاركت في هذه المناورة غالبية الدول التي تنفذ عملية «عاصفة الحزم» التي انطلقت في 18 أيار 2015 قبل أن تنتقل الى عملية «إعادة الأمل» التي بدات 21 نيسان العام 2015.
– المشاركة في عملية عسكرية برّية في شمال سوريا إذا ما تحوّلت العمليات العسكرية الجارية تهديداً مباشراً لتركيا ودول الحلف العربي ـ الدولي المعلن على تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا (داعش) منذ 11 ايلول 2014.
وبالإضافة الى هذه الأهداف الأربعة التي حدّدها الزوار، تقول مراجع معنية، إن ليس ضرورياً أن تشارك هذه الدول كلها في أيّ عملية مشتركة لأسباب تتصل بجغرافيتها وبما يتصل بأمنها القومي وإنّ المشاركة في هذه المناورة تُدخلها في «نظام دفاع مشترك» لتبنى على اساسه أيّ تحالفات عسكرية مشتركة في المستقبل.
وبناءً على ما تقدم يؤكد الخبراء أنّ المنظومة العسكرية والسياسية التي أنتجتها المناورة يمكن أن تقود أيّ عملية عسكرية مشتركة، فليس مستبعداً أن يكون لها أيّ دور في مستقبل الأزمة اليمنية ما لم تنجح القوى العسكرية الحالية في حسم أزمتها.
وكذلك بالنسبة الى شمال سوريا فليس مؤكداً حتى الآن أنّ العملية السلمية ستسبق العملية العسكرية، وليس صحيحاً أنّ إنشاء «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا قد بات من الماضي وهو وارد في أيّ وقت، في انتظار نتائج الحوار الذي ستستضيفه «جنيف 3» وما يمكن أن يحققه التفاهم الأميركي ـ الروسي ليُبنى على الشيء مقتضاه.