تصرّ مراجع عسكرية وديبلوماسية عربية وغربية على اعتبار مناورات «رعد الشمال» الجارية في معسكرات «حفر الباطن» السعودية الوليدة الشرعية لـ«عاصفة الحزم» اليمنية ونسخة منقّحة للمبادرة الخليجية التي تجاوزت الرفض الدولي لمواجهة المتغيرات الدراماتيكية في الشمال السوري والخطر المحدق بالأمن القومي التركي ما يفتح الطريق الى عملية برّية. فما هي السيناريوهات المحتمَلة ودوافعها؟
ليس من الصعب على الخبراء والمحلّلين العسكريين إجراء الربط المنطقي بين مجريات العمليات العسكرية التي إجتاحت العالم العربي والإسلامي من طرفَي الخليج من باب المندب اليمني غرباً الى مضيق هرمز شرقاً وفي اتجاه عمق الشمال وصولاً الى سوريا والعراق اللذين شهدا أكبر وأعنف الحروب التي لم يشهدها بلد أو كيان آخر عبر ما سُمّي «الربيع العربي» منتصف العقد الماضي ما عدا التجربة الليبية.
باستثناء مسلسل الحروب العربية ـ الإسرائيلية من ستينات الى ثمانينات القرن الماضي مضافة الى جولة العام 2006 اللبنانية، لا يتردّد الخبراء العسكريون في اعتبار أنّ الحروب الدائرة في العراق وسوريا واليمن والبحرين هي معارك تجري في إطار حرب واحدة بمجرد الإعتراف الذي لا نقاشَ فيه أنّ المشاركين فيها من قوى إقليمية ودولية هم أنفسهم يستخدمون في السرّ والعلن ما امتلكوه من أسلحة مالية وعسكرية وديبلوماسية وسخّروا لها كلَّ قدراتهم وأشكال تكنولوجيا المعلومات والإستخبارات الى الحدود القصوى المُتاحة.
وعلى هذه الخلفيات يرى الخبراءُ العسكريون أنّ مناورات «رعد الشمال» التي تستضيفها المملكة العربية السعودية بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية في «مدينة الملك خالد العسكرية» في حفر الباطن لا يمكن فصلها عما يجري في مختلف الدول العربية والإسلامية المشتعلة.
فهي في رأيهم الترجمة العملية الأولى للحلف العربي ـ الإسلامي الجديد الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني 2015 من طرف واحد من الرياض وضمّ 35 دولة عربية وإسلامية من المحيط الى الخليج وصولاً الى الشرق الأدنى في مواجهة ما سمي الإرهاب لنزع الصفة التي أُلصقت بعددٍ من أطرافها ودولها على أنها الراعية الأولى لـ تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) التي وُلدت في 19 حزيران من العام 2014 في العراق وانتقلت بسرعة مذهلة لتجتاح المحافظات العراقية وصولاً الى الشمال السوري بالسلاح الأميركي المتطوّر للجيش العراقي المنهار، فألغت الحدود بين البلدين وهدّدت كيانات ودولاً أخرى قبل أن تظهر فروع لها في دول أخرى في شمال القارة الأفريقية وعمقها وجنوبها وأماكن أخرى من عواصم أوروبا والعالم الغربي حيث انتشرت خلاياها العابرة للقارات.
يقول الخبراء في الأهداف المتكاملة التي رسمت لمناورات «رعد الشمال» إنها من أكبر وأضخم ما شهدته «العمليات العسكرية الإفتراضية» في العالم تنفّذ على أرض تتجاوز مساحتها 135 ألف كيلومتر مربع وبمشاركة نحو 150 ألف ضابط وعسكري من الدول العشرين الأكثر قوة في الحلف الجديد.
فشكلت بذلك رسالة واضحة وصريحة الى الأقربين والأبعدين، الأعداء كما الحلفاء، أنّ مجموعة هذه الدول استجابت للنداءات الدولية التي دعت الى تشكيل قوة عسكرية سنّية عابرة للدول الإسلامية لتكون في مواجهة الإرهاب متمثلاً بـ»داعش» وأنّ أطرافها مستعدون لقيادة هذه الحرب بلا أيّ رعاية أُممية أو دولية وبقدراتها الذاتية تخطيطاً وإدارة عمليات عسكرية وتنسيقاً بين مجموعة من الجيوش لم تلتقِ يوماً على هدف أو استراتيجية أو عقيدة عسكرية واحدة.
ومن هذه النقطة بالذات يرى الخبراء أنه ولو لم ينجح الحلف الخليجي ـ الإسلامي الذي نشأ في 26 آذار عام 2015 وضمّ عشر دول خليجية وإسلامية بقيادة السعودية لإدارة عملية «عاصفة الحزم» في مواجهة حوثيي اليمن لما تجرّأت المملكة ومعها هذه الدول على الإعلان عن الحلف الجديد في 15 تشرين الأول 2015 في وقت لم ينفّذ بعد الحلف الذي سبقه المهمة التي أوكلت له في اليمن على رغم انتقالها من «عاصفة الحزم» الى عملية «إعادة الأمل» في 21 نيسان 2015.
ويعود الخبراء في تحليلهم الى ما شكلته «عاصفة الحزم» من ثقة مفرطة بالنفس بعدما قاد الحلف عملياتٍ عسكرية كبرى حظيت بقرارت أممية تجاوزت اعتراضات الدول الكبرى التي اضطرت مرغمة الى تأييده بلا أيّ مقابل فكانت «كلّ خرطوشة أو صاروخ بسعرها العالمي»،على حدِّ قول أحد كبار القادة العسكريين في غرفة عمليات العاصفة في الرياض.
ولذلك يخلُص الخبراء أنفسهم الى اعتبار «رعد الشمال» الوليد الشرعي لـ «عاصفة الحزم» التي تسعى الى تطويق صنعاء لإستدراج ما تبقى من جيش الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الى الإنهيار والتفكك بكلّ الوسائل المالية والعسكرية المُتاحة، وهو امر متوقع في وقت قريب لتتفرّغ لاستعادة مناطق الحوثيين في جانب من شمال البلاد وشرقها وإنهاء العملية العسكرية.
وبناءً على ما تقدّم لا يستبعد الخبراء أن تتوافر الظروف الملائمة قريباً لتنتقل الدول المشاركة في مناورات «رعد الشمال» الى الشمال السوري لنجدة إحدى دوله تركيا بعدما بات أمنها القومي في خطر شديد ما لم ينجح أقطاب مجموعة «ميونيخ لنصرة سوريا» الذي عقد على هامش «مؤتمر ميونيخ للأمن العالمي» في 4 و5 شباط الجاري في تنفيذ وقف النار الشامل في الشمال السوري لوقف العملية الروسية ومنع تمدّدها في اتجاه السيطرة على حلب ومحيطها.
وختاماً، يرى الخبراء العسكريون أنّ ما يجري على الأراضي التركية من عمليات منظمة تستهدف الجيش يحمل دعوة شرعية ورسمية لحلف «رعد الشمال» الجديد الى نصرة تركيا عبر التدخل البرّي في شمال سوريا في اعتباره مصدرَ الخطر الحقيقي على الأمن التركي. وهو أمر يشجع عليه تجاوز دول الحلف الجديد واستخفافها بالتهديدات الروسية باعتبارها أنّ أيّ عمل عسكري من هذا النوع سيشكل بداية حرب عالمية ثالثة.
فمَن يجزم من الآن باستحالة مثل هذا السيناريو غير المسبوق؟ فالهدف من»رعد الشمال» واضح وصريح لتعزيز التنسيق اللوجستي والعسكري والميداني بين جيوش 20 دولة يمكن أن تكون نواة الحرب البرّية المقبلة في شمال سوريا، ولو تأخرت بعض الوقت فإنّ هناك مَن يراهن على تحوّلها أمراً واقعاً وما علينا سوى انتظار الساعة صفر. فالمناورات في «حفر الباطن» تنتهي في العاشر من الشهر المقبل والى حينه سيحمل كلَّ يوم خبراً جديداً، فلننتظر للتثبت من صحة هذا السيناريو المخيف؟