وسط الغبار الكثيف الذي تثيره «عجقة» الانتخابات البلدية والانهماك المحلي في قراءة نتائج مرحلتها الاولى ، بما شابها من عتب وتصفية حسابات، والتحضير لمحطاتها المقبلة وأقربها الاحد على أرض «جبل لبنان»، بدأت تتظهر في خلفية هذا المشهد المزدحم، معالم صورة لن يكون من السهل تجاوزها بعد اليوم، عنوانها «حتمية اجراء الانتخابات النيابية»، ذلك ان الحجج والاعذار التي أعطيت لتبرير التمديد للمجلس مرتين سقطت كلها مع انطلاق عجلة الاستحقاق البلدي.
إزاء هذا الواقع الذي بات راسخاً، رمى «استاذ» عين التينة في سوق التداول السياسي ما قد يمكن تسميته بـ «مبادرة» من أجل التوافق على قانون جديد للانتخابات النيابية، إجراء انتخابات مبكرة، فانتخاب رئيس الجمهورية بمن حضر، منطلقا من مسلّمة جديدة قرر اعتمادها قاعدةً بعد الانتخابات البلدية تقوم على أن «لا للتمديد بعد اليوم».
طرح سرعان ما تفاعل داخل الكواليس السياسية، محليا وخارجيا، رغم التريث الواضح للاطراف الداخلية ، مقابل «طحشة» دولية بدأت تتبلور معالمها، حيث نقل عن مرجع دبلوماسي عليم ان خطوة بري اتت بالتنسيق مع حزب الله في توقيت يحمل الكثير من المعاني سواء بعد انطلاق الانتخابات البلدية وما يحكى عن دور لها في تحجيم العماد ميشال عون واحراجه، والاهم عقب الرسالة التي القاها من الرئيس هولاند عشية اجتماعه بالبطريرك الراعي حيث كان الطبق الرئاسي حاضرا كوجبة اساسية.
رؤية لا ترتاح لها اوساط سياسية بارزة ، معتبرة ان «الطرح» جاء مفخخا وفق التراتبية التي تحدث عنها بري ، متسائلة عن الضمانات بعدم الوصول الى الفراغ التام ، في ظل امكانية تراجع الاطراف عن اي تعهدات قد يقطعونها لجهة حضور الجلسات وعدم تعطيل النصاب ، كما سبق وحصل اكثر من مرة، متسائلة عن السبب الذي يمنع اجراءها فورا بمن حضر والهدف من الانتظار طالما ان المبدأ مقبول، متخوفة من قطبة مخفية غرضها الوصول الى هذا الواقع، في رحلة الذهاب نحو مؤتمر تأسيسي مبدية اعتقادها بان رئيس المجلس مرّر كرة ذهبية للحزب «التقدمي الاشتراكي» ولـ «تيار المستقبل» اللذين لا يعارضان ضمنا قانون الستين.
على أي حال، وفي حين تعتبر المصادر ان هدف المبادرة دغدغة رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب العماد ميشال عون، وفتح صفحة جديدة معه بالوقوف على خاطره والاخذ ببعض مطالبه، تشير الى ان موقف «القوات اللبنانية» سيكون تحت المجهر، حيث يشدد مصدر نيابي برتقالي على ان التذاكي في رفض بحث القانون المختلط، يجعل طريق الاتفاق الالزامية الوحيدة تمر عبر القانون الارثوذكسي الذي نتمسك به، مكررا الدعوة إلى اجراء انتخابات نيابية، على أن ينتخب النواب الجدد رئيسا.
واذا كانت بعض الاطراف السياسية تضغط باتجاه التعجيل باجراء الانتخابات النيابية ، ثمة في المقابل رأي قضائي يدعم هذا الاتجاه يستند الى ان رد المجلس الدستوري في قراره الصادر في 28/11/2014 الطعن المقدم من النائب العماد ميشال عون وتكتله بقانون التمديد الثاني للمجلس النيابي، اعتبر استثناء أن الظروف الاستثنائية ربما تبرر التمديد مع تحفظ المجلس في قراره لأن لا يمكن قبول ظروف استثنائية لسنتين و7 أشهر،لافتة الى أمرين ، أن تكون الظروف الاستثنائية محددة في الزمان، وأن ينتهي الركون إليها عند انتهائها، وثانيا، ضرورة تنظيم انتخابات نيابية فور انتهاء الظروف الاستثنائية، وعدم انتظار نهاية الولاية المددة، ما يعني، ربطا باجراء الجولة الأولى من الانتخابات البلدية، أن الظروف الاستثنائية سقطت، ما يجعل كل ما بني عليه اقتراح التمديد ساقطا، وتاليا لا بد من اجراء انتخابات.
امر ترفضه اوساط سياسية مخضرمة ، رافضة الاعتراف بان الظروف الامنية كانت وراء التمديد للمجلس النيابي، لان الحقيقة هي في عدم التوافق على قانون الانتخاب، فالابقاء على قانون «الستين» يُشكّل «استفزازاً» لقوى سياسية عديدة ترفضه، الا اذا كان «الرفض العلني» لبعض الاحزاب اجراء الانتخابات النيابية وفق قانون «الستين» ليس جدّياً، علما ان مسؤولا امنيا رفيعا اقر بأن التقارير التي قدمتها الاجهزة الامنية قبل كل استحقاق نيابي جرى تأجيله متطابقة مع التقارير التي قدمت قبل الانتخابات البلدية.
في انتظار تبلور الصورة على الضفة المسيحية، بعدما جرت رياح صناديق الاقتراع بعكس ما اشتهت سفن الأحزاب، في ضوء خروج قواعدها عن «طاعتها»، تبرز تساؤلات عن العبر الممكن استخلاصها من المشهد الجديد، وعن انعكاساته على المراحل المقبلة، واضعة اياها أمام حتمية مراجعة سياساتها وخياراتها، تبقى الاسئلة مباحة بعد سحب بري لارنبه الجديد.
فهل يجاري بري «التيار» في طرحه ويتخلى عن اولوية الانتخابات الرئاسية؟ هل تسبق «النيابية» الانتخابات الرئاسية بخاصة ان لا بوادر داخلية او اقليمية توحي حتى الساعة بامكانية تحقيق خرق في جدار الازمة؟ هل تحصل الانتخابات النيابية وفق قانون جديد تنجح في التوصل اليه اللجان النيابية المشتركة، أم ان تباعد مصالح الاطراف السياسيين وتضاربها سيفضي الى الابقاء على قانون الستين؟ما الذي يضمن وفاء الافرقاء بتعهدهم خصوصا ان التجارب السياسية في هذا المضمار غير مشجعة؟ ماذا لو أصبحنا بعد الانتخابات النيابية بلا حكومة اذ تُعد مستقيلة حكما، وبلا رئيس للجمهورية؟ لماذا تصبح هذه الفكرة مقبولة من الرئيس بري بعد الانتخابات النيابية ولا يقبلها قبلها؟ ما هو المعيار الدستوري الذي عليه يقيس رئيس المجلس طروحاته السياسية؟
وبعد، هل يقبل الثنائي المسيحي انتخابات وفق قانون «الستين» لا سيما في اعقاب اعلان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع دفن القانون المذكور؟ واذا كان الجواب ايجابيا، فلماذا تم التمديد لمجلس النواب اذا، علما ان عذر «الوضع الامني المتوتر» استخدم فقط كستار لاخفاء السبب الفعلي للتمديد والمتمثل في عدم رغبة جهات سياسية محددة ومنها «التيار الوطني» في خوض الانتخابات على اساس «الستين»؟