IMLebanon

أرنب السيد الجديد.. نوح الفراري

«زعم الفرزدق أن سيقتل مربعأ أبشر بطول سلامة يا مربع» (جرير)

لو راجعنا أشرطة حسن نصر الله المنتشرة في مواقع التواصل الإجتماعي من أيام ثمانينيات القرن الماضي، للاحظنا أن كاريزما السيد لم تكن مكتملة يومها، ولم يكن قادراً على سحر إلا مجموعات محصورة بشبان يائسين محدودي الثقافة، متعطشين إلى أسطورة تنقذهم من آلام الكآبة، فوجدوا في سلسلة الخطابات التي كان يلقيها دافعاً جديداً للوجود. 

في هذا المجال لا بد للمراقب الحيادي أن يلاحظ التطور الكبير الذي حصل مع الوقت على منطق وأساليب وتعابير نصر الله الخطابية، إضافة إلى جملة من التطورات السياسية والإجتماعية والعسكرية التي تراكمت على مدى عقدين ونيف من الزمن، فجعلت من كاريزما السيد أمراً معترفاً به من قبل العدو قبل الصديق.

عند البحث عن معنى كلمة «كاريزما» علمت أنها اشتقاق من تعبير «شارم» (charm) وهي مرادف لكلمة «سحر». يعني أن الشخصية الكاريزمية هي شخصية ساحرة، تأسر جمهوراً من البشر وتدفعه إلى تصديق ما لا يصدق، وإلى الإنقياد بشكل آلي لتوجيهات تلك الشخصية من خلال صناعة الوهم والأساطير والإيحاء والرمزيات. 

في التاريخ شخصيات كثيرة تحمل تلك الصفات، أتت في زمن وظروف حولتها إلى قادة وملهمين وصناع رأي عام ودعاة سلام، وآخرون قادوا أمماً لا حصر لها إلى الهلاك والذل والهوان. 

سحر حسن نصر الله لا خلاف عليه ويكفي مراجعة عدد الأرانب، على شكل أفكار، التي سحبها من تحت عباءته على مدى السنوات الضائعة من عمرنا، لإبداء إعجابنا الكبير، وإن لم تكن معظم تلك الأرانب تحظى باحترامنا، لكنها بالنهاية كانت كافية للتأثير على جزء كبير من اللبنانيين والعرب والمسلمين، وربما بعضاً من غير هؤلاء. 

بالنهاية فإن سحر الشخصية لا يعني لا الحق ولا الباطل، ولكنه قد يقود الناس إلى التهلكة أو يدلها على طريق السعادة، وكل ذلك مرهون بالظروف والصدف وربما بحكمة الساحر نفسه، فغاندي كان ساحراً كما هتلر وكما أم كلثوم ولوثر كينغ، ولكن لكل منهم اختصاصه!

لكن المؤكد هو أن ثوب الساحر لا يسع إلا لقدر محدود من الأرانب والحيل ووسائل التأثير على الجمهور، ولا بد أن تنفد منه فيتقاعد في يوم ما.

حسن نصر الله يبدو أنه سائر إلى تقاعد مبكر بعد أن تضاءل جمهوره إلى حد مثير للشفقة بعد أن استعمل أرنب الإسلام وأرنب العروبة وأرنب فلسطين وأرنب كربلاء وأرنب مواجهة الصهيونية و«أميركا» وحماية مقام السيدة زينب وحماية القرى الشيعية وحماية المسيحيين والأقليات ومواجهة التكفيريين حتى استنفدت عباءته، رغم وسعها، فلم يبق له اليوم إلا جماعة زارعي الحشيشة وتجار الممنوعات وسارقي السيارات وخاطفي البشر للفدية أمثال نوح الفراري. فإن كان نوح قائداً جديداً في فيلق لواء القلعة «فأبشري بطول السلامة يا عرسال»، مبروكة له تلك الآخرة، أما كان من الأجدى له لو تقاعد؟