يقول المثل الانكليزي ما معناه ببعض التصرّف: جيش من الأرانب يقوده أسد، يهزم جيشا من الأسود يقوده أرنب! وهذا يعكس معنى القيادة وأهميتها في صنع التاريخ على مستوى الأمم. ولهذا السبب بسط الانكليز سيطرتهم على العالم في زمن ما، بعد أن اعتمدوا على استراتيجية تقوم على ركيزتين: الأولى، هي انهم نفذوا سياسة فرّق تسد. وقد درسوا جيدا حضارات البلدان التي استعمروها، ودرسوا تاريخها السلبي في تكوينها الاجتماعي والثقافي، وحقنوها بفيروسات تصيبها بالتهابات سرطانية مستمدة من طبيعة تكوينها، وتقسيمها على أساس عرقي وطائفي ومذهبي. وأدرك الانكليز ان الأمم ذات الماضي الحضاري المنتشر في العالم، لا يمكن السيطرة عليها وعلى شعوبها العريقة، إلاّ بوضع زعامات على رؤوس أنظمتها تكون لها طبيعة الأرانب، لا شكيمة الأسود… ومعنى الشكيمة في الرجل هو الذي يقود ولا يُقاد…
ليس من المستغرب أن تسقط دول وامبراطوريات اما بالقوة والعنف في اجتياح عسكري قاهر ومتفوّق خارجي، واما بتحلل واهتراء داخلي… ولكن من المستغرب أن تذهب أنظمة مغمّضة العينين، وتسير برضاها وراء من يقودها الى الذبح والفناء! وقد زرع الانكليز والقوى العظمى الأخرى في العالم الكيان الاسرائيلي في فلسطين، ليكون المطرقة التي تهدّ البنيان العربي، وتشرّد ساكنيه، وتخضعهم وتذلّهم وتستثمر خيراتهم. ومع ذلك فقد فشلت اسرائيل بهذه المهمة، على الرغم من ضعف العرب وتشتتهم، وتنابذهم وأحقادهم… والدول العظمى التي اخترعت لعبة الأمم، أدركت ذلك، وما لبثت أن غيّرت قواعد اللعبة…
الاسم الحركي للعبة الجديدة هو الارهاب التكفيري على قاعدة احداث مناخات في المنطقة يكون من نتائجها: العربي يقتل عربيا، والمسلم يقتل مسلما! والهدف هو القضاء على الأنظمة العربية بكاملها، وتوريثها الى أولياء الأمر الجدد في المنطقة والعالم، وهم: أميركا واسرائيل، وما يمكن لروسيا ان تنتزعه من براثنهما! ولعل السيدة التي فهمت قواعد هذه اللعبة جيدا، هي صحافية عملاقة عاشت قريبة جدا من قمة هرم السلطة في أميركا، وهي من أصول لبنانية، وعاشت طويلا حتى الثالثة والتسعين، وواجهت بشجاعة فائقة الأسياد في البيت الأبيض واسرائيل…
هذه السيدة هي عميدة مراسلي البيت الأبيض هيلين توماس التي تحلّ ذكرى غيابها الرابعة في تموز / يوليو المقبل. قبل رحيلها بأيام كتبت مقالة أثارت ضجيجا صهيونيا عالميا قالت فيه: اليهود يسيطرون على اعلامنا وصحافتنا في أميركا. كما يسيطرون على البيت الأبيض! وقالت ان الارهاب التكفيري ابتكرته الاستخبارات الأميركية، وان الاسرائيليين يحتلون فلسطين وطالبتهم بالرحيل، وان الأنظمة العربية ستزول بالكامل… واليوم يأتي رئيس في البيت الأبيض هو دونالد ترامب، ليوسّع الهوّة بين العرب والمسلمين، ويقول لهم ان عدوهم هو ايران، ويشجعهم على خوض حرب ضدها، كما جرى ذلك سابقا في زمن صدام حسين، والنتائج معروفة…
لعل العرب اليوم يحتاجون الى ايقاظ أنفسهم بأنفسهم حتى لا تتحقق توقعات هيلين توماس!