انسحاب جعجع أو عدمه لا يعني عون
الرابية «تصحح» لمعراب: الصوت المسيحي قبل السني
لم يمل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد من عقد المؤتمرات الصحافية في أعقاب كل جلسة افتراضية لانتخاب رئيس الجمهورية، برغم ان السيناريو نفسه يتكرر حرفيا في كل مرة منذ 25 أيار الماضي.
لقد تحول الامر الى «تقليد» في معراب، يجد فيه جعجع مناسبة لممارسة «الرياضة الذهنية» ومواصلة لعبة «الشطرنج السياسي» مع العماد ميشال عون تارة و«حزب الله» طورا.
النقلة الاخيرة التي افترض رئيس «القوات» انها تخوله ان يحشر «الجنرال» ويقول له «كش ملك»، كانت في سؤاله عون: إذا كنت قد اعترفت بنفسك ان الصوت السني ليس معك في معركة رئاسة الجمهورية، فماذا تنتظر ولماذا لا تنسحب؟
يبدو سؤال «الحكيم» في ظاهره «بريئا» و«محكما»، لكن المقربين من عون لا يجدون أي صعوبة في «الإفلات» منه، والرد على البيدق الذي حركه جعجع فوق رقعة الشطرنج، ببيدق آخر يحمل السؤال الآتي الى رئيس «القوات»: لماذا لا نحتكم سوية الى الصوت المسيحي أولا حتى نعرف من يريد وما هي حقيقة خياره، في استحقاق يعني المسيحيين بالدرجة الاولى، ما دام ان التوزيع الطائفي للرئاسات جعل موقع رئاسة الجمهورية من حصتهم؟
ويعتبر المحيطون بـ«الجنرال» ان جعجع يحاول «شخصنة» مسألة رئاسة الجمهورية وتقزيمها، من خلال دعوته عون الى التنازل والانسحاب، وكأن الامر يتصل بحق شخصي او إرث عائلي يمون ان يتراجع عنه، ولا يتعلق باحترام قواعد التوازن الطائفي والشراكة الوطنية في السلطة.
ويلفت هؤلاء الانتباه الى ان عون طرح مبادرتين من شأنهما تثبيت معايير واضحة لصون التمثيل المسيحي وقياسه يشكل دقيق، بمعزل عن الحسابات الشخصية لاي كان؛ الاولى، تتصل بانتخاب الرئيس من الشعب مباشرة من بين مرشحين تفرزهما «مرحلة التصفيات» الأولية في الشارع المسيحي، والثانية، تتعلق باختيار النواب عبر «القانون الارثوذكسي» الذي يستطيع ان يعكس الارادة الشعبية بأكبر قدر ممكن من الأمانة.
والمستغرب، وفق المقربين من «الجنرال»، ان يجهض جعجع بداية «القانون الارثوذكسي» ثم يعترض لاحقا على انتخاب الرئيس من الشعب، في حين ان مصلحته كانت تقتضي منه ان يدعم هذين المسارين، إذا كان واثقا فعلا انه الاقوى شعبيا على الساحة المسيحية، بدل ان يروج الآن لفكرة انسحابه وعون، تمهيدا للتفاهم على «مرشح توافقي» لن يكون سوى مجرد مرادف لـ«المرشح الضعيف».
ويعتبر المحيطون بعون انه ينبغي ان يُترك للتنافس الديموقراطي في الشارع المسيحي اولا واللبناني ثانيا، ان يحدد من يستحق تولي رئاسة الجمهورية، استنادا الى معيار وحيد وهو الحجم التمثيلي الصافي والخالي من أي اثر لـ«منشطات» التحالف مع الاطراف الاسلامية، فإذا جاءت النتيجة في مصلحة سمير جعجع او حتى هنري حلو، سيكون «التيار الوطني الحر» في طليعة المهنئين.
ولئن كان البعض لا يملك جرأة خوض هذا الاختبار، كما تبدو الامور من منظار الدائرة الضيقة اللصيقة بـ«الجنرال» في الرابية، فان البديل وفق المنظار ذاته يكمن في إجراء الانتخابات النيابية على اساس «القانون الارثوذكسي» الذي من شأنه ان يفرز مجلسا أصدق تعبيرا عن المزاج الشعبي الحقيقي، وبالتالي أكثر أهلية لانتخاب رئيس الجمهورية.
ويشدد أنصار عون على ان الشراكة والتوازن، داخل النظام، لن يتحققا في ظل الاستسلام للامر الواقع السائد منذ عقود تحت تأثير الوهم بانه لا يمكن تغييره، لافتين الانتباه الى ان «التيار الوطني الحر» مصمم على الدفع في اتجاه إعادة تكوين السلطة بشكل عادل يحمي دور المسيحيين ولا يفرط به كما كان يحصل في السابق، ونقطة الارتكاز في تصحيح الخلل المزمن تكمن في انتخاب رئيس يكون قويا بصفته التمثيلية، بدل المضي في اتباع مقولة «الإيد اللي ما فيك ليها، بوسها وادعِ عليها بالكسر».
ويعتبر هؤلاء ان انسحاب جعجع او عدمه من معركة الرئاسة هو أمر يخصه وحده، ولا يعني «التيار الحر» الذي يقارب هذا الملف من زاوية مغايرة تماما، وبالتالي فان «الجنرال» ليس مطالبا بان يقابل الانسحاب بمثله، لان الاستحقاق الرئاسي بالنسبة اليه مرتبط بحقوق جوهرية، لا يمكن ان تخضع لبازار المساومات او التسويات.