Site icon IMLebanon

الرابية ومعراب تستمعان الى نصائح البنك الدولي

ملفات كثيرة يحتضنها البنك الدولي في علاقته مع لبنان. لكن أحد هذه الملفات قفز الى الواجهة في الفترة الأخيرة من زاوية القرض الذي قدمه البنك للدولة اللبنانية من اجل مشروع سد بسري بقيمة 474 مليون دولار. هذا المشروع ينظر اليه البنك الدولي على انه حالة استثنائية، استدعت منه الموافقة على استخدام قسم من القرض لتمويل الاستملاكات، وهي خطوة لا يُقدم عليها البنك، على ما يؤكد مديره فريد بلحاج إلا اذا جرى تصنيف المشروع بأنه حيوي وضروري.

يبدو مدير دائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي فريد بلحاج متأثرا اكثر من الكثير من المسؤولين اللبنانيين وهو يشرح سلبيات الشلل القائم في لبنان اليوم، والذي يمنع انعقاد الحكومة او المجلس النيابي، لاقرار القرض المخصص لمشروع بسري، وبالتالي، فان حق لبنان في القرض يسقط نظريا في 20 تموز المقبل، اي على مسافة أقل من شهر.

لكن يتضح ان تجربة البنك الدولي مع الادارة اللبنانية مريرة، «من دون جميلة» الجمود في التشريع. وحتى قبل هذه الأزمة الطارئة، لم تكن القروض الممنوحة للبنان تمر بالسلاسة المطلوبة. كل المشاريع التي يمولها البنك الدولي واجهت مطبات أخّرت تنفيذها.

ولو أراد مجلس ادارة البنك الدولي تطبيق القوانين المعمول بها، اي ان كل قرض او هبة لا يتم استخدامه في مدة تسعة اشهر بعد إقراره، يصبح ساقطا، لما كان لبنان حصل على اي قرض. التأخير سمة دائمة في التعاطي مع الدولة اللبنانية، ومعظم المشاريع استغرقت سنة وسنتين او اكثر، كما يؤكد بلحاج.

في هذا السياق، يشرح بلحاج ان هناك مجموعة كبيرة من المشاريع التي يمولها البنك الدولي اليوم، منها مشروع عصرنة ومكننة العمل على الموازنة العامة في وزارة المالية. ومشروع لدعم مشاريع الابتكار في قطاع الاتصالات.

ويبدو بلحاج منزعجا عندما يتحدث عن مشروع قرض بسري، لأن المشروع حظي بموافقة جميع الاطراف في لبنان، وبالتالي، فان البنك الدولي لم يُقدم على الخطوة الا بعدما تأكد ان لا معوقات سياسية سوف تواجهه. لكن المفاجأة جاءت من مكان آخر، والمشروع مُهدّد اليوم بالسقوط.

يعتبر بلحاج ان الحديث عن مفاوضات لتمديد مهلة قرض بسري، ليست دقيقة، بمعنى ان المشكلة لا تتعلق بمفاوضات بقدر ما تتصل بالرسالة السلبية التي يبعث بها لبنان الى المجتمع الدولي. وهو، أي لبنان، كمن يقول لا تساعدونا لأننا غير مبالين باستخدام هذه المساعدات.

ويروي مدير البنك الدولي في لبنان ان السؤال الاول الذي وجهه المسؤولون في مجلس ادارة البنك لهم عندما عرضوا تمويل مشروع بسري، هو : هل انتم متأكدون ان المشروع سيمشي، وان لا معوقات سياسية او ادارية سوف توقف تنفيذه.

ويؤكد بلحاج انه قدم ضمانات بأن المشروع سيمشي بناء على الاتصالات المسبقة التي اجراها. وهو لهذا السبب يشعر اليوم بالاحراج، ولا يعتبر ان التفاوض مع مجلس ادارة البنك لتمديد مهلة القرض، من الامور السهلة.

ويكشف بلحاج ان البنك الدولي وضع استراتيجية جديدة تهدف الى زيادة المساعدات للبنان. لكن كل ذلك يرتبط بالمشاريع، فاذا تواصل التأخير والشلل من البديهي ان استراتيجية زيادة المساعدات لن تمشي.

ويُبدي بلحاج دهشته من الطريقة التي يتم التعاطي فيها مع ملف المساعدات والقروض وكأن الحكومة اللبنانية تقدم عذراً للدول المقصرة في مساعدة لبنان لمواجهة تداعيات النزوح السوري. فهذه الدول تسأل لماذا سنقدم المال الى الحكومة اللبنانية اذا كانت عاجزة عن استخدامه؟

عن تداعيات الأزمة السورية على الاقتصاد اللبناني، يشير بلحاج الى دراسة اجراها البنك الدولي عام 2013 أظهرت ان خسائر الاقتصاد اللبناني وصلت الى 7.5 مليار دولار. وقد تم استخدام هذه الدراسة من قبل البنك والحكومة اللبنانية لطلب المساعدات الدولية.

وبالفعل تم انشاء صندوق لجمع الهبات. وقد بلغ مجموع ما جمعه الصندوق من المانحين 75 مليون دولار. وقد تم تمويل مشاريع عدة عبر هذا الصندوق، لكن المشكلة هنا هي نفسها، اي العراقيل التي تمنع تنفيذ المشاريع واستخدام الاموال المخصصة للبنان. هناك 3 مشاريع ممولة من صندوق الهبات. مشروعان من الثلاثة احدهما يرتبط بوزارة الصحة، والثاني بوزارة التربية، ما زالا عالقين. وهذه هي المعضلة.

الادارة ثقيلة، ومن الصعب ان تحيل مشاريع طارئة كالتي نتحدث عنها الى الروتين الاداري. وفي الحقيقة تلقى البنك الدولي مراجعات من دول مانحة سألت لماذا لم يتم استخدام الاموال الممنوحة حتى الان، خصوصا ان المشاريع المطلوبة هي مشاريع ملحة، وينبغي ان تُنفذ بسرعة لتظهر نتائجها على الارض.

يكشف بلحاج ان البنك يتواصل مع رئاسة الحكومة لايجاد حل لهذه المعضلة، من خلال ايجاد طريقة لتحاشي الروتين الاداري خصوصا في المشاريع المصنفة طارئة وضرورية.

عن جولته على العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، يقول بلحاج ان العنوان الرئيسي لهذه الزيارات هو المطالبة بالفصل بين ما هو سياسي وبين ما هو اقتصادي.

وعندما تسأل بلحاج اذا كان متحدثاً ام مستمعاً في هذه الجولات السياسية، يقول: بالطبع كنت متحدثاً. وقد وضعت المسؤولين السياسيين، ومن ضمنهم عون وجعجع، في اجواء مشروع قرض بسري، كما سألتهم عن امكانية الفصل بين السياسة والاقتصاد. ولمست تفهما للطروحات.

أخيرا، عندما نسأل بلحاج عن تصوره لما سيحري في مشروع بسري اذا لم يقره المجلس النيابي قبل 20 تموز المقبل يقول: في الواقع قد نحتاج الى ضمانات قوية لكي ندرس موضوع تمديد مهلة القرض. لكن كما قلت المشكلة ان الاشارة التي يرسلها لبنان الى الاطراف المانحة، اذا مدّد مهلة القرض، اشارة سلبية لا تخدم لبنان.

أخيرا عن تقييمه للوضع المالي والاقتصادي، يتحدث بلحاج عن صعوبات تجتاح المنطقة. وبالتالي، من البديهي ان الاقتصاد اللبناني يتأثر بهذا الوضع. لكن القطاعات المالية، اي المصارف، والمصرف المركزي، جيدة جدا.

وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يدير السياسة النقدية وفق معايير دولية، وهو يتمتع بمستوى عالمي. ويروي بلحاج انه عندما وصل الى لبنان للمرة الاولى لتسلم منصبه، تحدث الى حاكم المصرف المركزي المغربي، وسأله عن معلوماته في شأن حاكم مصرف لبنان، فاجابه: انه الأفضل بيننا. (المقصود حكام المصارف المركزية العربية).

وهذا يعني ببساطة انه حاكم مميز يمكن الاعتماد عليه. الى ذلك، هناك نقطة قوة في الاقتصاد اللبناني يعكسها حجم التحويلات المالية من قبل المغتربين، وهذه التحويلات تعكس ثقة اللبنانيين بوطنهم. النقطة الثالثة الايجابية ان موقع لبنان على المستوى الجيواستراتيجي، سيجعله رأس حربة ومنصة اساسية في اعادة اعمار سوريا، وهذا الامر سيفيد الاقتصاد اللبناني بشكل كبير.

ولعلّ أبرزَ الوقائع التي لا يمكن تجاهلها:

أوّلاً، مشهد تفريغ الشرق من المسيحيين كان له أثرٌ بالغٌ على لاوعي المسيحيين اللبنانيين الذين شَعروا بالقلق على المصير.

ثانياً، صعود التطرّف السنّي بشكل غير مسبوق، وتوَسّع دور «حزب الله» بشكل غير محسوب، أوجَد شِبه قناعةٍ مسيحية بأنّ هذا التقابل سيَبقي لبنان تحت تأثيره حتى إشعار آخر، ما يعني إبقاءَ مشروع الدولة معلّقاً على تسويات إقليمية غير مضمونة.

ثالثاً، التفاهم الأميركي-الإيراني معطوفاً على دور طهران العسكري في المنطقة معطوفاً على «عاصفة الحزم» وقيام توازن استراتيجي جديد، وبالتالي أوجَدت هذه العناصر شِبه قناعةٍ لدى غالبية المسيحيين وطرفَي الصراع أنّ حسمَ أيّ طرَف في المنطقة على الآخر مستحيل، وأنّ الأمور محصورة بين خيارَين: إمّا استمرار الصراع الحالي لسنوات وعقود، والطرَف الأكثر تضَرّراً مِن غياب الاستقرار هو المسيحي.

وإمّا الوصول إلى تسوية سعودية-إيرانية واستطراداً سنّية-شيعية تأخذ في الاعتبار هواجسَ الطرفين في الدرجة الأولى، ومن دون الوقوف عند هواجس المسيحيّين.

رابعاً، رغبة المسيحيين الجارفة برؤية قياداتهم مجتمعةً وموحّدة حفاظاً على وجود وسلطة وحضور، في زمنٍ تشهَد فيه المنطقة سقوطاً للحدود ورسماً جديداً للخرائط.

وعليه، هناك مشهدٌ جديدٌ داخل البيئة المسيحية افتتحَته ورقة «إعلان النوايا»، ومِن الطبيعي أن يثيرَ هذا المشهد ردوداً وانتقاداً ومخاوفَ، إلّا أنّه يُمثّل حاجةً مسيحية-وطنية سيَجد الجميع مع الوقت أهمّيته، وما مشاركةُ الدكتور جعجع أمس في اللقاء المشترَك بين طلّاب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» إلّا تأكيدٌ على هذا التوَجّه الجديد، وسعيٌ نحو تثبيته وتحصينه وتطويره…