ما الذي يريده الرئيس نبيه بري؟ هذا هو «سؤال المليون» الذي لا يجد إجابة واضحة بعد.
الرابية، بحسب زوارها، «مرتاحة»، وترى أن الأمور تسير في الطريق السليم.
وهي تنتظر الاعلان الرسمي على لسان الرئيس سعد الحريري، معوِّلة على أن هذه الخطوة سيتبعها ارتفاع وتيرة التأييد الدولي والمحلي، بما لا يعود معه من قدرة لدى أي طرف محلي على قلب الطاولة.
يؤكّد هؤلاء أن الرابية تتمعّن في «مؤشرات مهمة»، برزت في اليومين الماضيين، تدلّ على تهيّب مما آلت إليه الأمور، وربما على بداية بحث عن النزول عن الشجرة، من البيان التوضيحي الذي أصدره وزير المال علي حسن خليل حول الثنائية المسيحية ــــ السنية إلى الموقف الهادئ لرئيس المجلس في الجلسة التشريعية أمس. ويشدد الزوّار على أن العماد ميشال عون «ربما يكون الأحرص، بين القوى السياسية، على الرئيس بري وموقعه ودوره»، و«مستعد لكل الضمانات والتطمينات والخطوات، تحت سقف الدستور، من زيارة عين التينة إلى التعاون في موضوع المجلس النيابي والحكومة المقبلة وغيرها من التفاصيل». ناهيك عن التعويل الدائم على حزب الله ودوره وقدرته على تبريد الأجواء الملتهبة.
الترشيح الرسمي سيفرض واقعاً جديداً يدفع الجميع الى اعادة تقييم المشهد
باختصار الأمل غير منعدم من إمكان الوصول إلى تسوية ما، وإن كانت غير واضحة المعالم بعد، لأن القناعة أن رئيس المجلس يتحرّك بين سقفين: الأعلى قلب الطاولة على التسوية، والأدنى الوصول الى تسوية تكون مطمئنة له. وبما أن السقف الأول سيصبح صعباً الوصول اليه بعد الاعلان الحريري الرسمي، يبقى السقف الثاني عرضة للتفاوض.
في رأي مصادر في 8 آذار، فإن تصعيد رئيس المجلس، في الأيام الماضية، كان هدفه منع الحريري من تخطّي مرحلة الترشيح المضمر الى الترشيح المعلن. لكن إعلان الحريري دعم ترشيح عون (المرجّح اليوم) سيكون نهاية مرحلة وبداية أخرى في سباق عون إلى بعبدا. وسيفرض واقعاً جديداً على الجميع يدفعهم الى اعادة تقييم المشهد. والمسؤولية الأكبر في كسح الألغام مما تبقّى من الطريق تقع، منذ لحظة الاعلان الرسمي، على عاتق عون والحريري نفسهما، بتشجيع ودعم غير منظور من حزب الله. وبداية الكسح يجب أن تكون من عين التينة لا من سواها، لأن غياب العامل الخارجي وكلمة السر الرئاسية ــــ وهي تجربة غير مسبوقة في تاريخ لبنان السياسي ــــ يجعل لزاماً التوصل إلى تفاهمات داخلية بديلة. المطلوب إذاً، بحسب المصادر، «باقة»، إذا كان إسم السلة يثير حساسيات، وفي هذا مصلحة للجميع.
لا يعني ذلك أن الرئيس بري «سيرفع العشرة». وهو، في رأي المصادر نفسها، سيواصل سعيه إلى إفشال انتخاب عون ما دام يرى بصيص أمل، وما دام يدرك أن حزب الله لا يمكن أن يتخلى عن حلفهما الاستراتيجي. لكنها تلفت الى أنه، في جلسة المجلس أمس، «هدّأ اللعب» عبر «النقاش المتفق عليه سلفاً» مع النائب جورج عدوان للتنصّل من كلام مستشاره السياسي علي حسن خليل. وهذه، ربما، تكون إشارة اولية إلى الاستعداد للتفاوض إذا ما كان هناك ــــ في الطرف المقابل ــــ استعداد للتنازل. أما مقياس النجاح فمرتبط بطبيعة الصفقة والأثمان السياسية وما يمكن أن يوضع على الطاولة. صحيح أن أحداً لا يملك تصوراً دقيقاً لطبيعة مثل هذه الصفقة بعد، لكن من شبه المؤكد أنها تتضمن من بين ما تتضمّنه مفاوضة بري، باسم «الشيعية السياسية»، على «استعادة» وزارة المال للشيعة وفق ما نصّت عليه المحاضر السرية لاتفاق الطائف، ناهيك عن ملف النفط، وتوزيع الوزارات، وضمانات حول رئاسة المجلس، والحفاظ على المكتسبات التي توزّعت بين كل الأطراف في «الدولة العميقة» التي نشأت في السنوات الخمس والعشرين الماضية. وفي رأي المصادر، أن كل القوى كيفت مصالحها مع الفراغ في السنتين والنصف الماضيتين ومع شبه الغياب المسيحي منذ ربع قرن. و«المعادلة الذهبية» المطلوب من الرئيس العتيد التوصل اليها هي: كم سيُحسم من كلّ من هذه القوى، وكم سيتبقّى لها؟