توحي كل المعطيات المتجمعة عن ارتفاع وتيرة الضغط من اجل انتخاب رئيس جمهورية قبل نهاية ايلول المقبل، نتيجة المخاوف الجدية المتصاعدة امنيا سياسيا ديموغرافيا واقتصاديا، لدى الجهات الدولية حيال مستقبل البلد الصغير، ما يهدد بانهيار هيكل الدولة فوق رؤوس الجميع ، خصوصا مع عودة التجاذب والخلافات الى حلبة ما تبقى من حكومة المصلحة الوطنية، في استعادة لسيناريو التعيينات الامنية الذي يهز أسسها مع كل موعد لتسريح احد القادة الامنيين، في احد ابرز تجليات الفراغ الرئاسي وتداعياته على المؤسسات الدستورية.
وفي حين لم تحدث نتائج الجلسة مفاجآت تذكر، باعتبار انها صورة طبق الاصل عن مضمون جلسات سابقة خصصت للملف نفسه مرات عدة وتخللها تهديد ووعيد لم يتعدَ اطار المواقف على رغم التمديدات المتكررة منذ الشغور الرئاسي،ارتفعت وتيرة التحذيرات الاقليمية والدولية والتي برزت معالمها بداية مع ما حملته زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري لبيروت التي انتهت الى لا شيىء، بفعل عدم لقائه لاعبين اساسيين على الساحة الداخلية، حزب الله ووليد جنبلاط، ثم مع زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للفاتيكان التي سيشكل لبنان ملفا اساسيا من ملفات بحثها، في ضوء حديث دبلوماسي عن حصول باريس على ضوء أخضر اقليمي لانجاز مهمة انتخاب رئيس جمهورية في لبنان، من زاوية وضع المسيحيين من جهة، وما يشكله الفراغ من خطر ليس على الموقع الرئاسي المسيحي الوحيد في المنطقة بل على مصير ووجود لبنان الدولة في ظل الاخطار المحدقة به من الداخل وعبر الحدود.
البرتقاليون الذين يخالفون كل التوقعات مدعمين موقفهم بحديث الامين العام لحزب الله الواضح في ذكرى انتصار تموز، يصرون على تبدل ايجابي سيقلب المقاييس في ايلول، دون الافصاح بوضوح عن اسباب هذا التبدل ومصدره، كاشفين ان اجواء بيت الوسط تعاطت «بايجابية» مع طرح السيد حسن نصر الله، وان كان المطلوب الآن بعدما خطت حارة حريك خطوتها الاولى ان يكشف الشيخ سعد اوراقه ليصبح اللعب على المكشوف ليبنى على الشيىء مقتضاه عبر وضع الاتفاق النهائي قيد التنفيذ، انطلاقا من قناعة راسخة بأن انتظار المعطيات الإقليمية أو الدولية حول الإستحقاق الرئاسي ستطول، علما ان الرابية تبلغت من الحارة عن تقدم الاتصالات والمشاورات بين الحزب والمستقبل، الجارية عبر قناة جانبية يقودها مدير مكتب الشيخ سعد نادر الحريري والمعاون السياسي لامين عام حزب الله حسين خليل بالتنسيق مع وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي يلعب دورا اساسيا في تقريب وجهات النظر، حيث تبقى المبادرة الداخلية مدخلاً لحل الأزمة أو ربما نوعاً من الأمل لتحريك الجمود القاتل، وهو ما يشدد عليه الخارج.
مصادر المستقبل من جهتها، لا تشاطر «العونيين» تفاؤلهم «المتذبذب»، مشيرة الى أن المواقف لم تتبدّل واللعب على تجاوز الدستور من خلال فرض تسوية معينة مرفوض، مؤكدة أن عدد المعترضين لوصول عون الى سدّة الرئاسة كبير أكثر مما يتصور البعض، مؤكدة أن «حزب الله» يناور بشكل دائم ويستخدم المنابر لإلقاء خطابات ترتدي طابع «مد اليد» في حين أن لا رغبة واضحة في ترجمتها، لافتة الى أن المراوحة هي سيّدة الموقف في الوقت الراهن وما من توجّه فعلي لدى «المستقبل» للقول أن مبادرة الرئيس الحريري الأخيرة انتهت والتواصل بين «المستقبل» والتيار «الوطني الحر» قد لا يحمل معه أي إنفراج.
اما عين التينة فلها قراءتها،هي التي تنتظر الأسماء التي ستكلّفها الكتل النيابية من أجل تشكيل لجنة اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس الشيوخ، حيث توضح اوساطها ان لا بدائل عن الحوار من أجل التوافق والخروج بحلول عند «الاستاذ» ، معتبرة أن المراوحة الحالية ستدفع الى إجراء الإنتخابات النيابية وفق قانون الستين، ما يعني ان التركيبة المقبلة ستكون صورة منقحة عن التركيبة الحالية، ما يحمل الكثير من المخاطر، خصوصا في ظل استمرار الفراغ الرئاسي، مشيرة الى أن لا ضوء أخضر اقليمي-دولي في هذه المرحلة لاتمام الاستحقاق الرئاسي، من هنا سعي رئيس المجلس الى تجنيب البلاد المزيد من الهريان وتفعيل عمل المؤسسات لقناعة منه ان استمرار الاوضاع سياسيا واقتصاديا على حالها من شأنه ان يؤدي الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع وعندها لا يعود ينفع الندم، كاشفة في هذا الخصوص عن مبادرة لعين التينة تجاه الوطني الحر والاشتراكي تقوم على اجراء وزير الدفاع سلسلة من المشاورات بعيدا عن الاعلام لملء الشغور في المراكز العسكرية بدءا من قيادة الجيش ومن ثم رئاسة الاركان وسواهما من المراكز الاخرى.
وسط كل ذلك يبقى ثابت تاريخي واضح ووحيد وهو أن الإستحقاق الرئاسي لم يكن يوماً ملفاً داخلياً بحت، في مقابل قرار خارجي لم يتغيّر حتى الآن، ما يعني تاليا ان لبنان باق في الستاتيكو الحالي حتى إشعار آخر.