IMLebanon

الرابية في قلب المعركة

جميع القوى المسيحية ترغب بانجاز الاستحقاق الرئاسي، وجميعها باتت تشعر بانحدار الوضع المسيحي وتراجعه بصورة مأسوية ودراماتيكية وكل القوى والقيادات المسيحية تشعر بمسؤولية في مكان ما عما وصلت اليه احوال الرئاسة الاولى وضياع مصير الكرسي الاولى في الجمهورية دون ان تملك زمام المبادرة، فبعضها يرمي المسؤولية ويحملها للخارج لارتباط اكيد للاستحقاق بالاحداث والظروف الاقليمية والدولية، والبعض يطرح المبادرات والتسويات لانقاذ الوضع ولكن دون جدوى او نتيجة تذكر، وفيما بعض القوى شاكست على الارض وخاضت معارك ومحطات فان آخرين آثروا الانسحاب او الوقوف على الحياد في الملفات الساخنة. هكذا بدا المشهد في التظاهرات التي دعا اليها التيار الوطني الحر بحيث لم تشارك فيها معراب رغم وضع ورقة النوايا، في حين انكفأت الكتائب وآثرت المردة الوقوف على الحياد وعدم الانزلاق في متاهات الشارع مع ترك حرية التحرك لمن يريد، وهكذا يبدو المشهد ايضاً في العديد من الملفات الاخرى.

في حصاد ما انجزته القوى المسيحية يظهر التالي، ميشال عون خسر كثيراً في السياسة تقول مصادر مسيحية، عندما تجّمع عليه الاخصام للمنازلة بملفات التمديد للمجلس النيابي وللقيادات الامنية وفي ملف الرئاسة بعد الطوق الذي فرض عليه من الداخل والخارج لكسره وعزله، فلجأ الى الشارع ليثبت حجمه التمثيلي وقدراته دون ان يسجل اي «سكور» او اختراق وبالعكس فان عون لا يزال يواجه حملة شرسة لاضعافه وتشويه صورته الداخلية في الاستحقاقات بتصويره المعرقل لخطة النفايات ولعمل مجلس الوزراء والنواب ربطاً بالتمديد وترقية قائد فوج المغاوير. اما سمير جعجع فحاله ارقى بقليل، بحسب المصادر، فقد استطاع ان يحافظ على الستاتيكو نفسه مع بعض الانجازات في رصيده والاضافات التي حسنت وضعيته، وفي وقت قياسي ان ينجز خطوات تجمع في بعض الاحيان الشيء ونقيضه. فالحكيم اولاً انجز مصالحته مع الرابية ليلتقي ميشال عون بعد ثلاثين سنة من الخلافات والمشاكسات وحروب الإلغاء في مشهد كسر الاحتقان في الشارع المسيحي وصورة الانقسامات والتشرذم، وبعد سنوات من الخلاف على النظرة السياسية والسلطة وزعامة الشارع المسيحي وعلى كل شيء ليدحض لقاؤهما كل التوقعات والمراهنات بأن لا يحصل اي لقاء او تطور في العلاقة بين زعيمين تنافسا وتقاتلا بقسوة وساهما في تشتيت الرأي العام المسيحي وضياع الكثير من الفرص على المسيحيين. ونجح جعجع في اتكائه على كتف الجنرال في دلالة واضحة واشارات يفهمها من يعنيهم الامر بدون ان يصل اللقاء لمرحلة تتويج رئيس للجمهورية حيث كان الأجدر به ربما ان يسمي رئيساً للجمهورية بدل تحديد النوايا بانتخاب رئيس ومواصفات الرئيس.

واشارت المصادر الى ان جعجع استطاع ان يسجل تميزاً لم يقطع به شعرة معاوية مع الحلفاء فبقي يخاصم حزب الله ولم تتأذَّ علاقته بسعد الحريري، ذهب في زيارة الى السعودية ليدخل من الباب العريض باستقبال لم يحصل عليه زعيم مسيحي، ليعود جعجع يهبط زائراً رسمياً وبصورة شخصية برفقة زوجته ووفد قواتي في مطار الدوحة في زيارة حملت الكثير من الدلالات وفي اسبابها وفي التوقيت خصوصاً ان الزيارة تأتي في زمن الحراك الشعبي في الشارع وثمة تلميحات من قبل رسميين كان منهم وزير الداخلية نهاد المشنوق بدور لقطر بدعم التحركات الشعبية، كما ان الزيارة تتزامن مع انعقاد طاولة الحوار التي قاطعها بعدما ذهب كل فريق 14 آذار اليها.

في بنشعي يبدو «البيك الزغرتاوي» محيداً حاله عن الغوص في المعارك الجانبية بحسب المصادر، وكسر العظم التي يخوضها المسيحيون الآخرون، فالنأي بالنفس هو الخيار الافضل ريثما تمر الغيوم التي تنذر بعواصف اقليمية. هذا لا يعني ان سليمان فرنجية لا يخوض المعارك نفسها لكنه يملك حيثيات شعبية ومسيحية خاصة وتكتيكاً مختلفاً عن الحلفاء في الخط السياسي ذاته ينص على تحييد النفس لأن جزءاً اساسياً في الاستحقاق الرئاسي له ارتباطات خارجية مهما تشاطر اللاعبون في الداخل، وفرنجية يريد البقاء كما يقول عارفوه جسر التواصل بين حلفائه ليكون «صمام الأمان» عندما تسوء بين الرابية وعين التينة او حتى عندما ينزعج الجنرال وتضيق «الدنيا في وجهه».وليس سراً ان فرنجية اعطى كثيراً من رصيده للرابية ولحلفائه من الخط نفسه بدون تململ او كلل، وفرنجية ترك لانصاره الحرية بالمشاركة في يوم التظاهر العوني بدون تعميم حزبي على غرار حزب الله، ودوره، كما يقول العارفون، في السر هو غير دوره في العلن.

اما في الصيفي فالأمور تأخذ منحى مختلفاً عن كل المسيحيين الآخرين تقول المصادر، فرئيس الكتائب الجديد يسعى الى التمايز واعادة تصويب البوصلة بعد ان تعرض حزب الله والوطن والعائلة لسلسة من الخيبات السياسية والحزبية، ويسعى الجميل الابن الى ابتكار الملفات والى حجز موقع في خضم كل ما يحصل دون ان تنزلق الكتائب الى لعبة الشارع او التجييش، والكتائب التي تمايزت عن فريق 14 آذار في عدة محطات بحيث بدت لا مع 8 ولا مع 14 والتي هي بعلاقة متوترة مع التيار وباردة مع القوات وفاترة مع المردة، هي امام تحدٍ جديد لاثبات الجهوزية والحضور على الساحة المسيحية وخلق هوية كتائبية جديدة.