بين التيار الوطني الحر وحزب الله تفاهم كُتِبت اولى بنوده بحبر الانتصار يوم 6 شباط 2006 ، وبات عمره 18 سنة . سنوات طوال شهدت خلالها العلاقة بين الطرفين طلعات كثيرة، بلغت أوجها يوم اعلنها امين عام حزب الله حسن نصر الله علنا قائلا : “مرشحنا للرئاسة ميشال عون”، واضعا نقطة على سطر في ملف استحقاق رئاسة الجمهورية عام 2015 . موقف كان سبقه بسنوات دعم كبير وغطاء مسيحي وفّره التيار للحزب في خضم حرب تموز ، يوم كان معظم الداخل اللبناني رافضا للحرب، يومذاك وقف رئيس تكتل التغيير والإصلاح آنذاك العماد ميشال عون بوجه الجميع قائلا : “مع المقاومة ضد العدو”، وقد كلفه هذا الموقف رسائل تهديد وترغيب بمغريات سياسية عديدة، وصلته لتغيير موقفه من المقاومة خلال حرب تموز 2006.
كما كان اعلن في احدى المقابلات التلقزيونية في تموز 2016 ان وفاء عون لحزب الله أوصل الجنرال الى بعبدا ، وبعدها بدأت رحلة التباعد شيئا فشيئا على ملفات عديدة ونقاط، يقول كل طرف انه لم يطبقها من بنود تفاهم مار مخايل الشهير، وسط اتهامات من التيار للحزب بانه لم يقف الى جانب العهد بالاستحقاقات الاساسية، الى ان بدأ الحديث عن هوية الرئيس المقبل، فاعلنها صراحة السيد حسن نصر الله : “ندعم ترشيح سليمان فرنجية”، هذا الموقف الذي يعارضه التيار، دفع بباسيل في كانون الثاني 2023 الى الاعلان ان التفاهم ليس بخير، وهو واقف على “اجر ونص”.
واتت بعد ذلك حرب غزة، وفتح جبهة المشاغلة في الجنوب اسنادا لغزة، لتقضي على “اجر كاملة” من التفاهم وتتركه “بنصف اجر” ، بعدما صعّد باسيل سقف المواجهة قائلا: ” ما حدا يهددنا، فصوتنا اعلى من صوت المدفع، وهذا قد يكون بداية تمرد”، واكمل : “مَن هو حريص على الانتصار بوجه العدو، عليه أن يحصّن نفسه في الداخل قبل أن يحصّن جبهته الخارجية. وعليه أن يدرك أن هناك شعباً ليستطيع التضامن معه، يجب أن يكون حياً وليس مكسوراً ومهدداً كل يوم بلقمة عيشه”. مواقف باسيل الرافضة لوحدة الساحات، كان سبقها موقف مدو للرئيس عون معلنا “لسنا مرتبطين بمعاهدة دفاع مع غزّة”.
بهذه المواقف ، تقول اوساط مطلعة على جو الطرفين، اطلق التيار الرصاصة ما قبل الاخيرة بقلب تفاهم مار مخايل، بعدما كان الحزب بحسب الاوساط نفسها، قد ساهم ايضا بذلك عبر ضرب الشركة الوطنية وتغطية خطوات ميقاتي وابعاد المسيحيين عن الحكم ، فلم يبق لتفاهم مار مخايل الا “نص اجر” يقف عليها.
قد يكون تسارع الاحداث، سهّل على باسيل الذهاب باتجاه ما كان يشعر بانه بات عبئا عليه بلسان شريحة من جمهور التيار الوطني الحر، وبالتالي فك هذا التحالف الذي قد يكون أخسره من رصيده الشعبي المسيحي، لكن بالمقابل يعترف كثر بان وقوف حزب الله الى جانب التيار بالانتخابات النيابية، اكسب التيار عددا لا بأس به من النواب في مناطق عديدة . فلكل طرف حساباته والتي قد تكون مبررة، لكن السؤال الذي بات يطرح نفسه اليوم : هل يمكن اعادة ترميم ما انقطع بين التيار وحزب الله ؟ او ان ما يفرّق الطرفين بات اكبر بكثير مما جمعهما، والتعاطي بينهما سيكون على القطعة في المرحلة المقبلة؟
الاجابة عن هذه الاسئلة قد تحتاج الى اشهر كي تتبلور، لكن اللافت في هذا الاطار كان الزيارة التي قام بها وفد من حزب الله برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد امس الى الرابية، ولو ان مصادر بارزة تضعها في اطار الزيارة البروتوكولية الطبيعية، التي لن تغيّر من مجريات العلاقة بين الطرفين.
لكن توقيت الزيارة قبل الحديث عن مضمون ما طرح على الطاولة من نقاشات خلالها، يشكل بحد ذاته اشارة ايجابية من حزب الله باتجاه التيار، لا سيما ان تعليمات كانت وصلت للمعنيين في حزب الله بعدم الرد على الكلام والمواقف الصادرة عن الرئيس عون او الوزير باسيل. وفي هذا السياق تقول مصادر مطلعة على جو الزيارة، ان ما حصل امس كسر الجليد في العلاقة، واعاد جزءا من الحرارة لها، واظهر حرصا على عدم قطع التواصل بين الطرفين. ووصفت المصادر اللقاء بالاكثر من ايجابي والممتاز، كاشفة ان الرئيس عون كان مرتاحا لما سمعه من توضيحات على لسان حزب الله.
وفي مضمون ما تناوله اللقاء، تشير المصادر الى ان النقاش تركز على 3 مسائل:
1- وضع الجبهة في الجنوب، حيث وضع الوفد الرئيس عون بجو ما يحصل، والطريقة التي تدير فيها المقاومة العمليات في الجنوب، بطريقة تكفل مساندة للشعب الفلسطيني وحماية للبنان في الوقت نفسه . ورأت المصادر ان حزب الله تقصّد الزيارة لتوضيح هذا الامر، بعدما تبين نتيجة تواصل بين حزب الله واصدقاء مشتركين، ان الرئيس عون نتيج ليس مطلعا بشكل كاف على حقيقة ما يحصل جنوبا. وكشفت المصادر ان الرئيس عون عبّر عن ارتياحه لحكمة امين عام حزب الله بادارته للمعركة، بعدما اطلع بشكل تفصيلي على الوضع الميداني هناك..
2- الملف الثاني الذي تطرق له لقاء الرابية، فتمثل بوضع الرئيس عون أجواء زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ومحاولته تبريد جبهة الجنوب، وما وصله عبر من التقاهم هوكشتاين من الطرح الذي يتحدث عنه، لا سيما ان موقف الحزب واضح انه لن يعطي اي موقف او رد قبل وقف الحرب على غزة.
2- وقد شكل ملف الاستحقاق الرئاسي النقطة الثالثة التي تطرق لها لقاء الرابية ، وهنا تجزم المصادر ان البحث لم يتطرق الى اي اسم معين، انما اقتصر على التأكيد من جانب حزب الله بأنه يفصل تماماً بين الحرب في الجنوب وبين ملف رئاسة الجمهورية، الذي يعتبره شأنا داخليا له علاقة بالعمل في مجلس النواب، وقد ابدى هنا الرئيس عون ارتياحه لما سمعه في هذا الاطار .
وكشفت المصادر ان وفد حزب الله حمل رسائل ايجابية من الرئيس عون للسيد نصر الله.
وتسأل مصادر متابعة لمَ يتعمّد حزب الله في كل مرة زيارة الرابية لا ميرنا الشالوحي، عندما تصل العلاقة بين الطرفين حدّ التباعد الكبير ؟ ولماذا استبعاد رئيس التيار عن هذه الزيارات؟ فهل هي رسالة من الحزب بان تعاطيه هو مع الرئيس عون؟ اوساط مطلعة على جو حزب الله تجيب : لا يمكن الفصل بين عون وباسيل، فنحن عندما نزور الرئيس عون نعتبر اننا نزور التيار فهما واحد ، وعون هو الاب الروحي للتيار وباسيل رئيس التيار، وتشير الاوساط ان تفاهم مار مخايل وقّع بين السيد نصر الله والعماد عون.
على اي حال، فالاكيد ان لقاء الرابية كسر الجليد، لكن الاكيد ايضا ان ما انكسر بين حليفي الامس، يصعب ترميمه اليوم بزيارة ” كسر جليد”، ويبقى السؤال : من سيتنازل لمن بعد انتهاء الحرب وتبريد جبهة الجنوب ؟ هل يتخلى حزب الله عمن قال يوما امينه العام انه “العين الاخرى” اي سليمان فرنجية، بعدما كان أوصل العين الاولى ميشال عون الى بعبدا؟ او يسلم التيار بموازين القوى، التي قد تُخرِج الحزب منتصرا بعد حرب غزة، فينسج معه تسوية لا تخرجه من المشهد السياسي؟ او ان التباعد سيبقى سيد الموقف، فيشق حزب الله طريق التسوية ويجلس التيار في المعارضة؟
قد يكون من المبكر الاجابة عن هذه الاسئلة، لكن الاكيد ان حزب الله يحتاج الى التيار والعكس صحيح. وقد علّق مصدر مطلع على جو الطرفين خاتما بالقول: لعل افضل من وصّف الواقع هو النائب اسعد درغام، الذي اعلن بالامس الحاجة لتفاهم مار مخايل 2 ، يأخذ بالاعتبار هواجس الطرفين!