لا تحسد الرابية ولا زعيم التيار الوطني الحر في هذه الايام على احوالها التي تزيد تعقيداً بمرور الوقت وبفعل الملفات الضاغطة التي تواجهها الرابية باللحم الحي في وجه اعتى خصومها، فما كاد يمر «قطوع» النزول الى الشارع على خلفية التمديد للقيادات الأمنية حتى حصل التمديد الذي حاربته الرابية بكل قواها بدون ان تتوصل الى حل الى حين فرض التمديد بقوة التحالف السياسي الذي تجمع ضد عون، وما كادت تمر هذه الملفات حتى وقع الخلاف حول انتخاب رئيس للتيار وساد الهرج والمرج والتنافس الانتخابي داخل البيت الواحد حتى كاد البيت العوني يقع على اهله وينقسم هؤلاء على بعضهم قبل ان يحسمها عون بتزكية باسيل ألأمر الذي يصعب التكهن بتداعياته المستقبلية على التيار حيث ثمة من يؤكد ان التسوية القسرية التي فرضها عون على المحازبين من خلال دفع النائب آلان عون الى الانسحاب لمصلحة وزير الخارجية جبران باسيل وتهريب النظام لمصلحة باسيل كلها تأثيرات سلبية ستترك بصمات عميقة في التيار الديموقراطي الذي تحول في لحظة من الزمن عن طريقه النضالي والديموقراطي بشهادة عونيين انفسهم، والذي يمكن ان يؤدي الى تحول التيار ربما الى تيارات وانسحاب عونيين او استقالتهم في مراحل لاحقة من التيار.
إذاً وبانتظار ان يطرأ تطور يشكل عاملاً ايجابياً للرابية قد يكون برفع سن التقاعد لعدد من الضباط، وبانتظار ان تمر زوبعة تعيين باسيل رئيساً للتيار، فان الواضح ان التيار يعد راهناً نكساته وخيباته وعدم تمكنه من تسديد الضربات في مرمى اخصامه السياسيين وتحقيق السكورات الرابحة، وهذا ربما ما جعل عون يحسم وينهي المعركة في التيار قبل ان تبدأ حتى لا يتشرذم التيار او تقع الانقسامات في قلبه وتصيبه، في حين ان معراب بخلاف الرابية لم تتعرض لاي انتكاسات مؤخراً بل هي تحيد نفسها عن كل الاشكاليات وتمتنع عن خوض المعارك الخاسرة، والواضح ان معراب منذ ورقة النيات مع التيار تبدو في افضل اوقاتها ومراحلها السياسية، فلا خلافات مع اي طرف ورغم تحالف القوات والمستقبل وما يجري على خط الرابية والمستقبل من خلافات وتجاذبات قوية فان معراب لم تنزلق الى المواجهة مع المستقبل ولم يتزعزع «اعلان نواياها» مع الرابية.
من هنا ترى اوساط سياسية ان «اعلان النوايا» يحمل الغازاً واسراراً لا يمكن فك شيفراتها الا مع الوقت، فاعلان النوايا لم يثمر رئيساً ولكنه صامد رغم الخلافات، وجعجع ينظر الى ما يصيب الحالة النفسية فيبدو متعاطفاً لكنه لا ينزلق لمسايرة التيار بالمطلق وهكذا فسر تحفظه عن المشاركة في التظاهرة العونية بدون ان تسوء علاقاته مع المستقبل او المكونات السياسية التي تخاصم عون. وبالعكس فان جعجع كما تقول الاوساط يسعى الى الانقتاح على حلفاء عون في المردة والكتائب، وهو ربما يمني النفس بان يكون في المرحلة التالية بديلاً عن الحالة العونية. تبدو الاستراتيجية التي تعتمدها معراب رابحة وتكسبها الكثير من النقاط، فهي احسنت بورقة النيات وحققت ما يلي، انتزعت اعترافاً علنياً وتاريخياً من عون بزعامة جعجع وشعبيته، واستطاع جعجع ان يؤكد انه ليس الفريق المسيحي المعطل للانتخابات الرئاسية، وانه يتقاسم مع ميشال عون زعامة الشارع المسيحي. اذاً القوات تتفرج على المشهد السياسي من بعيد وبدون ان تتورط، وجعجع يراقب من معراب بدون ان تنقطع علاقته بالمستقبل او تسوء وان كانت توترت كثيراً باشتباكات الرابية، ومع الرابية امور معراب بأحسن احوالها، وهو يسعى الى التمدد تدريجياً وتوسيع ملعبه المسيحي ومد الجسور الى من تبقى من اخصام على الساحة المسيحية ومن يشكل التقرب منهم رصيداً اضافياً في حساب القوات المسيحي. اما على الصعيد الخارجي فان الواضح ان علاقة جعجع بالسعوديين تمر باحسن اوقاتها وما الاستقباال والحفاوة السعودية بجعجع إلا دليل على مكانة الرجل وما يمثله من كل الاطراف المحليين وحتى من اصدقاء المملكة والمحسوبين عليها.
وبالخلاصة يمكن القول ان الرابية تمر بأسوأ ظروفها على الاطلاق فيما معراب التي عانت في الشارع المسيحي من صورة الحرب والماضي الاسود تعمل على محو تلك الصورة عبر الاقتران والاقتراب خطوة خطوة من الحالة العونية، ويمكن بالخلاصة ايضاً القول ان «اعلان النوايا» بين القوات والتيار صامد وثابت رغم كل التساؤلات والاحجية التي رافقت انطلاقه ورغم كل ظروف سقوطه.