اذا كانت الصبغة الامنية قد طبعت الاسبوع الماضي، من عبوة كسارة الى صدور القرار الظني بتفجير مسجدي التقوى والسلام الذي حمل في طياته اكثر من رسالة داخلية وخارجية، لجهة التوقيت واسلوب الاعلان عنه، فان بداية الاسبوع الحالي قلبت المقاييس لصالح تفجير العونيين لغمهم الاول بالحوار بعد انقلاب المعركة الميثاقية الى «صدام» مسيحي ـ مسيحي داخل الجلسة ليتفرق العشاق دون تحديد موعد جديد، بانتظار يوم الاربعاء «الرئاسي» في ساحة النجمة، والخميس الحكومي الحاسم من السراي.
الجلسة المخصصة أصلا للبحث في قضية مجلس الشيوخ واللامركزية الادارية، لامست عمق المشاكل التي تعاني منها البلاد، في ظل المخاوف من انعكاسات الخلافات المستحكمة بين الأطراف المعنية، على مستقبل جلسات الحوار، التي لم تنفع خطوات الرئيس بري الاستباقية في انقاذ طاولتها، في وقت اعتبرت فيه مصادر سياسية أنّ كلّ ما يحصل مجرد تضييع وقت بانتظار التسوية الإقليمية، دون ان تستبعد أن يكون في انفجار الوضع فوائد بحيث أنّه قد يسرّع مسار هذه التسوية، اشارت الى ادراك الرئيس نبيه بري حساسية المرحلة وتعقيداتها، في ظل أوضاع إقليمية شديدة الإلتباس، وحيال اكتفاء البعض بتوجيه الانتقادات وبتوتير الأجواء، مضيفة إنه يمكن لأي طرف في الحكومة أو مشارك في الحوار الوطني ان يستقيل او أن يعلق مشاركته، لكن ممنوع على اي كان ان يذهب بعيداً في تجاوزه الخطوط الحمر لان هذا يعني دفعاً عن سابق تصور وتصميم بالبلد إلى الهاوية في وقت هو بأمس الحاجة لاتخاذ قرارات مصيرية لتمرير مرحلة الانتظارالاقليمي .
مصادر التيار الوطني الحر اشارت الى ان تعامل المشاركين في الحوار بخفة مع مسألة الميثاقية دفع بالوزير جبران باسيل الى ابلاغ المشاركين تعليق التيار الوطني الحر لمشاركته في جلسات ساحة النجمة، بحسب ما كان سبق واتخذ من قرارات في اجتماعات الرابية المفتوحة، معتبرة ان المشكلة ليست مع رئيس الحكومة تمام سلام انما مع الذهنية التي تدار بها الامور والحكم حيث التطاول المستمر على الحقوق المسيحية منذ 1990 مستمر تارة تحت غطاء الاحتلال وطورا تحت حجة الاوضاع الامنية والاغتيالات، مشيرة الى ان ما بعد هذه الجلسة لن يكون كما قبلها، فالذهنية الراهنة لا يمكن ان تستمر ليس فقط عند الخصوم، ولكن كذلك عند الحلفاء.
ورأت المصادر ان الفترة الفاصلة عن منتصف تشرين المقبل ستشهد ترجمة متدرجة للخطوات التصعيدية المقررة دون ان تصل حدود قلب الطاولة، ليس حرصا على ما تبقى من هيكل السلطة السياسية المهتز والمعرّض للانهيار في كل لحظة، لكن في انتظار تبلور سلسلة معطيات لم يتضح شكلها النهائي بعد على ان تحسمها الايام المتبقية من شهر ايلول الجاري ومطلع تشرين الاول.
على هذا الاساس يقول زوار الرابية ان العماد عون لن يقدم على خطوات تصعيدية قبل ان يقطع الامل نهائيا من فرص انتخابه وهو ما يفترض ان يتظهر في الفترة الفاصلة عن ذكرى 13 تشرين الاول، بما تعني للتيار الوطني الحر، فاذا ما سارت الرياح بعكس ما تشتهي سفنه سيفجر الموقف في الذكرى ويشرّع ابواب التصعيد على المستويات كافة حتى لو بقي وحيدا في الساحة، رغم ان المستجدات الميدانية السورية وما يرافقها من مشاريع تسوية سياسية تبدو في الظاهر تخدم محور الممانعة والمقاومة.
الى ذلك اشارت اوساط مقربة من رئاسة الحكومة من جهتها الى ان رئيس الحكومة لن يبقى مكتوف الأيدي في ظل الهجوم المستمر عليه خصوصا بعد اثارة موضوع الميثاقية لا سيما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يدعمه ويدعم إستمرار عمل الحكومة في هذه الظروف الدقيقة،معتبرة أن الحكومة ليست هي من تخرق الميثاقية، كما ان استفزاز الرئاسة الثالثة بتلك المسألة لن يجعلها ترضخ للنيل من صلاحياتها،لافتة الى ضرورة انعقاد جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل لأهمية الظروف ولتسيير شؤون المواطنين لا سيما أن لا جلسة للمجلس الاسبوع المقبل وربما الاسبوع الذي يليه بسبب سفر سلام لحضور قمة عدم الانحياز في كراكاس والجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك.
ودعت الاوساط الى انتظار مسار الاجواء السياسية المقبلة وما يمكن أن يسلكه عمل الحكومة في الفترة المقبلة ومدى إمكانية إستمرارها في ظل شلل عمل المؤسسات، محذرة من ان حكومة تصريف أعمال تعني ان لا هبات ولا مساعدات ولا رواتب ولا إنفاق الا بادنى ما يمكن خصوصا ان الدولة هي المنفقة الاكبر فأنا كوزير لا أستطيع تحمل ذلك، كاشفة ان المعطيات الثابتة لا تسمح بهزّ الحكومة او باستقالتها راهناً، ولكن ذلك لم يعد يشكّل ضماناً كافياً لاستمرار «الستاتيكو» الحكومي اذا تبيّن ان ثمة معطياتٍ طارئة تدفع عملية التصعيد قدماً نحو إدخال البلاد في متاهةٍ جديدة تقف وراءها خلفياتٌ ربما تكون إقليمية وتتلطّى بالتصعيد الداخلي.
فمنذ عام بالتمام تظاهر «التيار الوطني الحر» في ساحة الشهداء، تحت شعار «الانتخابات بتنضف». يومها طرح السؤال: هل ستكون هذه التظاهرة ذكرى عبور نحو تفويض العمل بالاستحقاقات الدستورية؟. بعد عام لم يتحقق أي شيء، لا بل زادت الأمور تعقيدا. فما الذي يمكن ان يحل هذه العقد، لا سيما مع اشتداد الكباش الاقليمي والدولي في كل من سوريا واليمن.