مقابل صخب بورصة الرئاسة، هدوء غير مسبوق يخيّم على الرابية. انه خليط من خاص وعام. فظلال الموت لوفاة الشقيق الأصغر للعماد ميشال عون تضيف على المشهد المزيد من الحكمة والرجاء والكثير من الطمأنينة.
الكثير من زوار الرابية في هذه الأيام يسألون «الجنرال» عما بات يعرف بـ «تسوية سليمان فرنجية للرئاسة». ويكاد الجواب يعمّم على الجميع: «بس يجي الصبي منصلي على النبي»، وتضاف اليه عبارة قد تخطر ايضا على بال عون: «رب ضارة نافعة».
بحسب عارفي عون فإن «المسألة برمتها لا تتعلق بشخصه بقدر ما يرى انها تستهدف الفريق السياسي الذي يضمّه وفرنجية». في نظام برلماني، كما هي حال لبنان، لا تجوز المقايضة بين موقع الرئاسة والاكثرية النيابية. وهذا ما قاله بوضوح فرنجية من كليمنصو عندما نفى ان يكون قد «باع» قانون الستين لمن «يقدم» له الرئاسة على قاعدة ان «فاقد الشيء لا يعطيه».
في الرابية لا يتم النظر الى «جزئية» ترشيح فرنجية وانما الى «كل» السلة: «اذا كان هناك جدية في هذه التسوية، فهذا يعني السلة المتكاملة التي تعطي الصدقية المطلوبة، فليس بالرئاسة وحدها يحيا لبنان». هذه السلة تشمل، الى الرئاسة، قانون الانتخاب الذي يؤمن اعادة تشكيل السلطة على قاعدة الشراكة الفعلية في ادارة الحكم، بالاضافة الى الموقف السياسي العام حيال قضايا المنطقة ومعادلة الحياد او الحماية للبنان وللمسيحيين تحديدا.
يقرأ العماد عون في الانجيل المقدس بشكل يومي. لكن آية قرآنية تحضره في هذه الايام حيال ما اذا كانت التسوية المطروحة جدية أم نوعا من المكر، فيتذكر بأنه ورد ان «الله خير الماكرين». ولكن اذا ما ثبت ان التسوية جدية، فهل المسألة بهذه السهولة؟ ان يعلن العماد عون تأييده «الطرح الحريري»؟ في تصاريحه العلنية والتي غالبا ما تكون انعكاسا صادقا لمعتقداته، يكرر فرنجية مرارا «لا أنزل الى المجلس الا مع العماد عون». وعليه، فإن «سليمان بيك» سيصوت حكما للجنرال اذا ما صح ما ينقل عن سمير جعجع بأنه مقابل فرنجية سيصوت لعون.
بعد بكركي، يأتي رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليذكر بأن الأقطاب الموارنة الاربعة اتفقوا على دعم أي مرشح منهم يتمكن من الحصول على دعم الشركاء في الوطن. يذكّر نائب في التكتل البرتقالي انه قبل تسوية فرنجية وبعدها تصمم الرابية على السلة الكاملة المتكاملة. ويتابع: «في بكركي اتفق الاقطاب كذلك على هذه السلة التي تشمل الرئاسة وقانون الانتخاب واللامركزية وكيفية عودة الموارنة والمسيحيين الى دور الشريك في الوطن. لا تجزئة في هذه السلة على الاطلاق». وعليه، اذا ما فجر الحريري قنبلته بترشيح فرنجية رسميا، فعندها ستدعو الرابية الى السير بمفاوضات السلة الكاملة المتكاملة. وهذا ما يصب كذلك في ما تقوله بكركي. فالبطريرك الراعي حريص على انتخاب رئيس اليوم قبل الغد، لكنه لا ينفك يحذر من «التحدي» ومن وجوب التوافق حول التفاصيل.
في انتظار تبلور التسوية، يغلب بين العونيين خط الواقعية. يعتبر هؤلاء ان التسوية «غير معروف بعد كوعها من بوعها والمشهد لا يزال ضبابيا». برأي الغالبية منهم «يبقى العماد عون هو صاحب الحق الاول ولا يجب ان يتخلى عنه». لديهم عتب على فرنجية كونه سار، برأيهم، سريعا في اللعبة وبدأ يتصرف أحيانا وكأنه أصبح الرئيس فعليا، فضلا عن انهم يرون ان «وصول فرنجية الى الرئاسة لن يغير شيئا في الادارات والمؤسسات لانه لا يحمل مشروعا اصلاحيا على غرار العماد عون التغييري والاصلاحي».
ويرى بعض العونيين ان الرئاسة، على اهميتها، ليست اهم من قانون الانتخاب المنشود. اما العماد عون فهو الخيار الرئاسي الاول لهم وفرنجية في المرتبة الثانية، وهذا ما لا ينفك أصلا يكرره زعيم زغرتا نفسه. ومن هنا يدعو هؤلاء الى «عدم الاستعجال نحو افتعال مشاكل او حزازيات لا مع فرنجية ولا مع قاعدته لأن المطلوب الوعي والترقب».
داخل «التيار الوطني الحر» ثمة من يدعو الى «التفكير بعقلانية وليس بعاطفة عبر اسكات اصوات النشاز وتهدئة زند المتحمسين بلا ضوابط». ولكن ماذا عن لغة التهويل «إما فرنجية أو الدماء»؟ يعلق هؤلاء: «قد تكون فعلا الفرصة الاخيرة لانتخاب رئيس في لبنان، ولكن لن يكون هناك دماء، فالقادر على ازهاق الدماء لا يريد ذلك»، متأسفين لكون مشروع «مطبخ 8 آذار» الذي كان من المفترض ان يولد منذ عام 2007، غير موجود في مشهد التسوية التي تملأ الفراغ السياسي في البلد.