Site icon IMLebanon

سباق بين الشارع والحوار

فتح الحراك المدني الذي وصل إلى نقطة الذروة يوم السبت الماضي كوّة صغيرة، رغم أعداد المتظاهرين الضخمة، في جدار الأزمة السياسية، إذ دفع بغالبية القيادات وعلى معظم المستويات الطائفية والمذهبية إلى الإستنفار بوجه موجة التغيير في الشارع التي بدأت مفاعيلها تطال سقوفاً كانت حتى الأمس محظورة وخارجة عن إطار السجال والتجاذب وحتى الإصطفاف السياسي الحاد منذ سنوات. وبصرف النظر عن القراءات والتحليلات والإتهامات المتبادلة بين فريقي 8 و 14 آذار، بالوقوف وراء هذا الحراك اللافت لهيئات المجتمع المدني، فإن مصدراً وزارياً سابقاً قد لاحظ أن هذا الحراك قد حقّق هدفاً سريعاً في مرمى القوى السياسية من خلال دفعها إلى التحرّك في كل الإتجاهات للوصول إلى تسويات سريعة للأزمات المتعدّدة من خلال فتح قنوات التواصل المقطوعة سواء عبر طاولة حوار وطني يدعو إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، أو عبر اتصالات فردية بادر إليها بشكل سريع يوم الجمعة الماضي النائب وليد جنبلاط الذي قرّر التشاور بشكل مباشر مع العماد ميشال عون ، في محاولة لطرح سبل حل مطالبه «الحكومية» واعتراضاته القاسية على محاولات إقصائه من القرار داخل مجلس الوزراء، والتي دفعت أخيراً وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» إلى الإنسحاب ثم مقاطعة الجلسة الحكومية الأخيرة.

وإزاء المواعيد والمحطات المعلنة من قبل هيئات المجتمع المدني خلال الأسبوع الطالع، كما من قبل الحكومة التي تستنفر وزراءها للخروج من الدوامة الحالية، فقد قال المصدر الوزاري نفسه، أن سباقاً فعلياً يسجّل بين مبادرة الرئيس بري من جهة، وتصعيد العماد عون في الشارع يوم الجمعة المقبل من جهة أخرى، وذلك لتهيئة سبل مقاربة الغضب الشعبي، ورسم خارطة طريق واضحة تسمح بمواجهته عبر تلبية بعض المطالب المرفوعة، وبالتالي، سحب فتيل التصعيد من الحكومة في مرحلة أولية، ثم تخفيف احتقان الشارع في مرحلة لاحقة. وتقضي التدابير الأولية بفتح حوار صريح بين العماد عون ورئيس الحكومة تمام سلام، يسمح بعودة عون عن مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، وذلك للوصول إلى تفعيل الحكومة ومنحها الفرصة لتلبية تطلّعات المتظاهرين في الشارع غداً الثلاثاء، فيما ترتبط التدابير اللاحقة بإعادة الحياة إلى طاولة الحوار الوطني بين فريقي 8 و 14 آذار، وذلك في محاولة، وربما غير مضمونة حتى الآن، لرسم استراتيجية سياسية تحقّق تطلّعات الطرفين بالنسبة للإستحقاق الرئاسي أولاً، والإنتخابات النيابية ثانياً.

إلا أن المصدر الوزاري السابق نفسه، استدرك موضحاً أن هذا المسار يلاقي بالضرورة التجاوب المطلوب من قبل الأطراف السياسية كافة، وبشكل خاص القوى المعترضة على حال التعطيل في المؤسّسات الدستورية التي أدّت إلى تعاظم غضب الشارع، ولذلك اعتبر أن الخروج من حال المتابعة والرصد لما ستؤول إليه حركة الشارع قبل اتخاذ أي مبادرة سياسية سواء باتجاه التهدئة أو باتجاه التصعيد، باتت مسألة ملحّة وضرورية، لأن الإيقاع السريع لحراك هيئات المجتمع المدني، ينذر بأخذ الجميع على حين غرة، وقد يفاجئ الداخل قبل الخارج، بسرعة تطوّره إلى واقع شعبي يضغط بقوة على الحكومة المشرذمة أصلاً بسبب خلافات مكوّناتها، مما يدفع نحو تعجيل إسقاطها على الرغم من الخطوط الحمراء السرية المرسومة حول السرايا الحكومي، والتي حالت حتى الساعة دون تمكّن أي متظاهر من اختراقه.

وخلص المصدر الوزاري السابق نفسه، إلى التحذير من خطورة الإستخفاف بالحراك المدني، كما من خطورة سرقته من قبل قوى سياسية، لافتاً إلى أن الحوار الشفاف بهدف الخروج من حال العجز، قد يكون كفيلاً بالإستجابة في الظروف الراهنة لسقف المطالب الشعبية عبر تحقيق « الأسهل» فيها مع استمرار العمل على تنفيذ الشعارات الأخرى.