مرةً جديدة يكون الجيش اللبناني هو المحور، وتكون المؤسسة العسكرية في الواجهة، ويكون مستقبل البلد معلقاً على مصير ما هو جارٍ في عرسال تحديداً والبقاع الشمالي عموماً وقضية العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش أو جبهة النصرة.
***
ومرة جديدة تقف الحكومة اللبنانية عاجزة عن مواجهة ما يجري، بالسرعة الممكنة وبالفاعلية الممكنة، فلديها مخطوفون، وفي كل مرة تُقدِم على خطوة يكون العسكريون المخطوفون هم الثمن فيدفعون من حياتهم ذبحاً وإعدامات، فيعيش أهلهم في قلقٍ دائم ويعيش رفاقهم في هاجس دائم، وتكون النتيجة المزيد من الضربات للمؤسسة العسكرية والمزيد من ضرب هيبة الدولة والمزيد من الغموض الذي يلف مصير البلد!
***
نقارن أنفسنا، كبلد، ببلدان أخرى فنُصاب بالمزيد من الإحباط: تركيا كان لديها رهائن لدى تنظيم داعش، قرابة الخمسين تركياً أخذهم تنظيم الدولة الاسلامية حين دخل الى الموصل في العراق. السبت أعلنت انقرة انها حررتهم في عملية.
بصرف النظر عن نوعية هذه العملية فإن المواطن التركي يعتز بان هناك دولة لا تترك ابناءها عالقين بين براثن الإرهاب، بل تعمل على تحريرهم اياً يكن الثمن.
ماذا عنَّا؟
لا يكفي العسكري انه يعيش تحت قهر المعارك، بل وهو في الخطوط الامامية عليه ان يتذكَّر اوضاع أهله وعائلته، أليس هذا ما حصل مع الشهيد من آل الخراط إبن صيدا؟ كان منهمكًا في عرسال ومنشغلاً على والده الذي دخل في غيبوبة، واخبرته شقيقته ان هناك مشكلة في تغطية الإستشفاء، ووعدها بأنه سيُكلِّم الضابط لمعالجة الأمر، لكن العبوة الناسفة عاجلته فسقط شهيدًا مع عسكري آخر فيما جُرِح كل مَن كان في الشاحنة من العسكريين.
هل من قهرٍ بعد هذا القهر وأكبر منه؟ وهل من معاناة اقسى من هذه المعاناة؟
في المعركة، شهيد إما ذبحاً وإما إعداماً وإما بعبوة ناسفة، والسؤال: هل البلد اصبح متروكًا الى هذا الحد؟ هل الدولة تخلت عنه؟ هل الغطاء الذي كان متوافرًا له قد سُحِب منه؟
أسئلة كثيرة وهواجس أكثر، لكن ما هو مخيف ان البلد أصبح مكشوفًا على كل المستويات، إلا المؤسسة العسكرية فهي الطلقة الأخيرة المحافظة على ما تبقَّى من هيبة البلد.
***
أما الاشد خطراً والاشد إيلاماً في كل ما يحصل هو ان تؤدي الإضطرابات الى الفتنة البغيضة التي يُحذِّر الجميع من الوقوع فيها، ولعل المتنبِّه الاول إلى هذه المخاطر كان الرئيس سعد الحريري الذي يتابع من حيث هو كل تفاصيل ما يجري، وقد استشعر بالفتنة الآتية، فكان له ان وجَّه نداءً اقل ما يُقال فيه إنه ساهم في نزع فتيل الشرور الذي كاد ان يشتعل، فقال في ندائه: في هذه الساعات الحزينة، أتوجه بأحرّ العزاء وأصدق عبارات التضامن، من أهلنا آل حمية، الذين يتوحدون في مسيرة التضحية مع الأخوة الكرام من آل السيد ومدلج والخراط وضاهر، وعشرات الشهداء الأبطال الذين قضوا في معركة التصدي للإرهاب والمتلاعبين بوحدتنا الوطنية.
إن اجتماعنا على درء الفتنة، مسؤولية تعلو على أي اعتبار آخر، بل هو واجب شرعي ووطني، لا مفر أمامنا جميعا من الدعوة إليه والالتزام به.
***
بعد هذا الكلام، ألم يحن الأوان لوضع خطة او خارطة طريق لانقاذ ما يمكن إنقاذه والبدء بوضع حدٍّ للخسائر المضاعفة كل يوم؟