IMLebanon

رشيد كرامي، ولواحق الزمان والمكان

 

صادفت منذ أيام، ذكرى استشهاد الرئيس الراحل المرحوم رشيد كرامي. أذكره بكل خير، بكل كفاءاته وعطاءاته ووطنيته وأصالته العربية.

 

كما أذكر علاقة شخصية لي به، إنطلاقا مما لمسته من رغبة متأصلة لديه في إقامة وتوثيق العلاقات مع أهل هذه العاصمة وتأصيلها بجملة التآلفات الوطنية مع أهالي طرابلس الفيحاء وسعيهم المستمر إلى التكاتف مع أصول وينابيع هذه البلاد الوطنية، وقد كان الرئيس كرامي رحمه الله، شديد الحرص على إزكاء هذا التآلف وهذه الوضعية الوطنية التي كانت أحوج ما تكون إلى أرباب تلك المشاعر والمطالب والتوجهات الواحدة، حتى إذا ما طاولها بعض الخلل، وجدت أمثال الرئيس كرامي في بيروت وطرابلس وصيدا، يبذلون الجهد والعناية الفائقة لتصحيح أي خلل قائم وأية مستجدات سلبية تنبئ بحصول أية توقعات تناوئ التوجه الوطني الميثاقي والتوحيدي، وتغالب كل أنواع النشوز عن مبادئ تلك التوليفة الوطنية المبدعة التي أنشأت لبنان بصيغته القائمة وتوابعها التي خلفتها الأحداث الاضطرابية التي انتهت بجملة من المحطات لعل أهمها ذلك التطور الذي انتهت إليه الأحوال الاقتتالية من خلال الرسو على المبادئ التصالحية والتوحيدية التي رسا عليها لبنان الحديث دستوريا من خلال مؤتمر الطائف ولواحقه.

 

عودة إلى الرئيس الشهيد رشيد كرامي، عودة إلى مساعيه لخلق العلاقات الحميمة مع الأوساط البيروتية على اختلاف ألوانها المذهبية والطائفية، من ذلك ما أذكره من زيارات متعددة قام بها إلى منزلي ومكتبي وضمت في جنباتها حضورا واسعا لشباب بيروتي (بمفهوم بيروت الموسّع الذي يضم إليه جميع مكونات هذا الوطن). كانت لقاءات متمسكة بالخط الوطني الجامع، وبالروح الميثاقية الدافقة، وكم صدر عن هذه اللقاءات وأمثالها من المواقع البيروتية والوطنية من تصريحات ومواقف هي من صلب الروح التوحيدية التي لم تترك زعيما وطنيا في بيروت أو في سواها من المواقع الميثاقية، إلاّ وصنفت زعاماته في تلك الأيام الراحلة، في جنباتها التي لم تكن لتشذ عن السبيل القويم إلاّ في نوادر المواقف التي كان بعضها يدعو للإلتباس، زعامات تلك الأيام تمثلت خاصة بالرؤساء الراحلين، المنطلقين من ثنائية الرئيس بشارة الخوري ورياض الصلح، عنيت كلاً من الرؤساء صائب سلام، عبدالله اليافي، تقي الدين الصلح، ومن الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فكانوا نماذج للحاكم الوطني والزعيم المحلي المؤتمن على مقومات وطنية ومدنية وتطلعات كل منها في تلك الظروف التي سادتها أحيانا جملة من المطبات والمزالق السلبية، إلاّ أنها لبثت على ثوابت النشأة اللبنانية الحديثة، وحاربت كل النشازات التي طاولت الخط الوطني العام الذي خلقته تلك الصيغة التي جمعت إليها نخب هذه البلاد وصفوة اتجاهاتها وسلامة قراراتها. نذكر ذلك وفي البال حسرة وأسف شديد على كل ما نحن فيه في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ وطننا الذي خرج بالكاد من احتفاليته العاشرة بمرور مائة عام على نشأة لبنان الواحد.

 

نذكر كيف أننا بتنا في مرحلة لم نعرف لها مثيلا في الايام التي عشناها ولم يعرف آباؤنا وجدودنا اهتزازات وطنية ووجودية واقتصادية وأمنية كالتي نعيشها اليوم وسط جموع مسلحة، تسعى مع الاسف إلى تغيير هوية لبنان الميثاقي العربي بنشأته واستمراريته، وهو تغيير يتم بصورة متطورة ومتسارعة ومنهجية قد تؤدي بنا جميعا إلى أن نرى البلاد وقد أصبحت غير تلك التي نعرف، وغير تلك التي نأمل وغير تلك التي نرجو أن تكون مرتعا لأبنائنا وأحفادنا في مستقبل الأيام التي لا تبشر تطوراتها التراجعية بأي خير.

 

نتوقف في ما ذكرنا أمام نقطتين تطفوان على ساحة الأحداث في هذه الأيام العصيبة، أولهما مطالب الفدرلة والإبتعاد بالبلاد والعباد عن مواثيق الوحدة الوطنية والعيش المشترك، وثانيهما مطلب مؤسف صدر عن أحد كبار رجال الدين يدعو إلى الرجوع عن نشأة لبنان الموحد ووضعيته الميثاقية التوحيدية، الأمر الذي يمهد لكل تلك الجهود الحثيثة التي تبذل في هذه الأيام لتمرير صورة جديدة للبنان تنسجم مع عمليات الفرض السلطوي بشتى صنوفه وأنواعه، وهذا أمر مرفوض وطنيا ومن شأنه إيقاظ جملة من الفتن النائمة، التي يبدو أن هناك من يسعى إلى إيقاظها.

 

رشيد كرامي: هي مناسبة نذكرك فيها بالخير… لقد اشتقنا إلى أوضاع الخير الوطني والسياسي والميثاقي، ولكن الشوق وحده لا يكفي، المطلوب صحوة ونخوة وثورة واعية ومنظمة وشاملة، إضافة إلى تصحيح وتقويم للأوضاع المغمورة بالفساد والفلتان الكامل للأوضاع العامة.