أن تكون القيادات السياسية اللبنانية غير قادرة على إيجاد الحلول المناسبة للأزمة السياسية الخانقة، قد يكون أمراً مفهوماً ومبرراً عند البعض، على خلفية الاشتباكات والضغوطات والتدخلات المتشابكة في المنطقة.
أما أن تكون هذه القيادات عاجزة عن تنظيم خلافاتها، وتمرير هذه المرحلة الحرجة، بأقل قدر من الخسائر، ريثما تسمح الظروف الخارجية بالوصول إلى الحلول الكبرى، فهي مسألة بالغة الخطورة، وتصل تداعياتها إلى حد نزع الثقة، وإلغاء تفويض التمثيل عن معظم القيادات، المنصرفة إلى صفقاتها، والغارقة في فسادها!
إذا كان الاستحقاق الرئاسي يخضع لتنافسات إقليمية ومؤثرات دولية، ماذا يمنع القادة المسؤولين عن أوضاع البلد، وعن أحوال الناس، من إيجاد الحلول النهائية والعلمية والصحية، لمشكلة النفايات، التي تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى مغارة مِن ذهب، يتسابق إليها الكبير والصغير؟
وإذا كان التغيير الحكومي من سابع المستحيلات، واستقالة الحكومة ممنوعة وطنياً ودولياً، لماذا لا يتفق جهابذة الأحزاب، والمكوّنات الحكومية على «تسليك» أعمال البلاد والعباد في مجلس الوزراء، بعيداً عن عنتريات الشارع، وبمنأى عن ديماغوجية الميثاقية، ومن دون قرف المناورات والتصريحات التي تحوّل أصحابها إلى طبول جوفاء؟
وإذا كانت الانتخابات النيابية على الأبواب فعلاً مع ربيع العام المقبل، والنية جدّية في عدم التمديد لمجلس النواب الحالي، نصف ولاية أو ولاية أخرى، لماذا لا يُصار إلى بحث جدي بين القيادات، وعقد جلسات ماراثونية بين النواب، وصولاً إلى التوافق على قانون انتخابات جديد، عصري ومتوازن، ويحظى بتأييد غالبية الأطراف السياسية، في حال تعذر التوصل إلى إجماع حوله؟
* * *
ما نقوله ليس من باب الإعجاز، ولا يتطلب تحقيقه خطوات بمستوى المعجزات، وثمة جهات في لبنان تعمل عليه، بمناقبية مشهودة، وبصمت مدوٍ، بعيداً عن المهاترات السياسية، وقرف أصحاب خطابات التصعيد والتعقيد.
أولاً: الجيش والأجهزة الأمنية، من الأمن العام وقوى الأمن الداخلي والمعلومات، تحقق إنجازات رائعة في تصديها للخلايا الإرهابية، ومنع تمدّد قواعد «داعش» و«النصرة» إلى الداخل اللبناني، وذلك رغم ضعف الإمكانيات المتاحة، والحاجة المتزايدة لتعزيز العنصر البشري، والحصول على تجهيزات تقنية حديثة.
لقد ابتعدت القوى الأمنية عن المستنقعات السياسية الآسنة، ولم تأبه قياداتها لمزايدات بعض السياسيين، ووصلت بأدائها المميز إلى مستوى رفيع، وغير متوقع، هو موضع تقدير أهل الأمن والسياسة في دول كبرى، عجزت أجهزتها الأمنية عن تنفيذ الضربات الاستباقية للخلايا الإرهابية، على النحو الذي حصل في لبنان.
ثانياً: استطاع البنك المركزي، بقيادة حكيمة وواعية، يُجسّدها بتواضع جمّ الحاكم رياض سلامة، أن يعزل الاستقرار النقدي عن موجات عدم الاستقرار السياسي، التي تعصف بالبلد منذ الوقوع في الشغور الرئاسي.
ورغم حالة الحصار الاقتصادي التي يُعاني منها لبنان، بسبب الحرب في سوريا وتداعياتها الإقليمية، والخليجية خاصة، ورغم كل الجمود الاقتصادي وحالة الكساد المستشرية في مختلف القطاعات التجارية، ورغم هذا الكمّ من الهدر والفساد في الإنفاق العام، وما يترتب عليه من زيادة في المديونية العامة، فقد استطاع البنك المركزي أن يحافظ على الاستقرار النقدي، ولم تتعرّض الليرة إلى أي اهتزاز في قيمتها تجاه العملات الأخرى، كما ساعد القطاع المصرفي للمحافظة على صموده وتماسكه، في ظل العواصف التي تجتاح دول المنطقة.
* * *
الواقع أن إنجازات المؤسسات الأمنية، ونجاحات البنك المركزي، تدين بشكل حاسم وفاقع هذه الطبقة السياسية العاجزة والفاسدة، والتي يتسابق بعض أطرافها إلى مكبّات النفايات… ومطامرها!!