يتفق الجميع، على اختلاف إنتماءاتهم، وتعدد ولاءاتهم، على أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي أقوى دول العالم وأكثرها سيطرة وقد تكون أشدّها بطشاً… وهي أيضاً أغنى دولة، فيها أكبر الجامعات وأهمها، وأعظم الأبنية التي باتت ناطحات السحاب فيها مضرب الأمثال.
أميركا هذه – في العام ١٩٦٠ – كانت طريق التغير في المعادلات الاقتصادية، إذ باتت الصناعة ضامنة للعملة الوطنية فيها، وصار الدولار عملة عالمية تتداوله الأسواق العالمية، فسيطر الدولار الاميركي على ما عداه من العملات العالمية الأخرى.
الجيش الأميركي تحوّل الى قوة يحسب لها ألف حساب، وهو موزّع ضمن قواعد ثابتة ومتحركة في مختلف أصقاع العالم…
أميركا التي غزت الفضاء بروّادها، فاستكشفت المجهول، وراحت تتغنى بإنجازاتها الفضائية…
والمدن الأميركية التي فرضت جمالها على مدائن العالم الأخرى، فنيويورك، المدينة الحلوة «المجنونة» التي لا تهدأ فيها حركة، ولا يملّ الساهرون فيها من طول السهر ولا يشكون من قلة النوم لما في المدينة من مسارح ودوَر لهو، الى المستشفيات المبنية وفق أحدث الطرق، والفنادق التي تستقبل آلاف الزوّار ممن يريدون تمضية الأوقات الممتعة.
كل ما ذكرناه عن عظمة أميركا، سقط بسبب حادثة بسيطة في ظاهرها، عميقة في باطنها… سقطت الولايات المتحدة بسبب ورقة عشرين دولاراً مزيّفة… كانت سبب مقتل جورج فلويد… فجورج كان يتعامل مع أحد المتاجر، وعند شرائه ما يريد، نقد صاحب المتجر عشرين دولاراً قال عنها صاحب المتجر بأنها مزوّرة، واستدعى الشرطة.
حضر أربعة من عتاة رجال الشرطة، وسحبوا فلويد الى خارج المتجر، ولم يُبْدِ فلويد أي مقاومة، وانهالوا عليه بعنف، وركع أحدهم على رقبته وظل ضاغطاً عليها حتى لفظ فلويد أنفاسه الأخيرة.
من يصدّق أو يتصوّر اننا في العام 2020، وبعد كل ما شهدناه ونشهده من تطوّر في المجتمعات، حتى اننا وصلنا الى القمر… نشهد سقوطاً لأعتى الدول من خلال قصة تبدو وكأنها من نسج الخيال.
إنّ هذا العمل، إن دلّ على شيء، فإنه يدلّ على أنّ العصبية المتطرفة والتخلف المتفشّي في ذهنية العديدين، انتصرا على العلم والتقدّم والازدهار… وإلاّ فكيف نفسّر ما نراه في هذه الأيام، على شاشات التلفزة، من حرق للسيارات، وقتل للأبرياء، وشعارات عنصرية متطرفة…
إنّ ما يحصل بين أبناء البلد الواحد مؤسف حقاً، فالإنسان الذي يحصل على جنسية بلد ما، يُعامل بعد عشر سنوات كالمواطن الأصلي، لأنه اكتسب الإنتماء الحقيقي للوطن، أَوَليْس غريباً أن شعب الولايات المتحدة وبعد سنوات عديدة من العيش معاً، يسقط فجأة في هوّة التمييز العنصري البغيض؟