IMLebanon

تغييرات جذرية في الوجوه النيابية والسياسية قريبا

تباينات في التمثيل السياسي والاداري

داخل الكتل وفي التمديدات أيضا

لا أحد يعرف، لماذا تتكرر قصص التباينات بين عهد وعهد. وما حدث في صيف العام ١٩٧٥، يحدث في صيف العام ٢٠١٧.

انها قصة كل عام، منذ أن ظهرت على صفحة الحياة السياسية، فصول غريبة عن الواقع اللبناني. وحديثة على التطورات، وان غاب عنها أي مظهر من مظاهر الحداثة.

في العام ١٩٧٥، وما بعده وقع في لبنان صراع عنيف طابعه سياسي، وباطنه مذهبي. يومئذ كانت المقاومة الفلسطينية هي لبّ المواقف العامة والخاصة. وكان الرؤساء كميل شمعون وسليمان فرنجيه وكامل الأسعد وصائب سلام وتقي الدين الصلح، وشفيق الوزان وكمال جنبلاط وريمون اده وبيار الجميّل يتقاسمون الأدوار، فريق يريد ترميم الصراعات المذهبية وآخر يسعى الى ديباجة طائفية في البلاد.

يومئذ، اجتمعت الحكومة في قصر بيت الدين كما اجتمعت السلطة قبل ٧٢ ساعة في المكان نفسه ولكن بأسلوب جديد وذهنية جديدة. وقد أرادت الحكومة بناء على نصيحة الوزير خاتشيك بابكيان اعتماد أسلوب جديد في التعطيل. وقررت اعتبار يوم الجمعة من كل أسبوع يوم عطلة رسمية، والتعويض على الناس، باعتبار يومي السبت والأحد يومي عطلة. إلاّ ان الخبر أفرح الناس بادئ ذي بدء، ثم قامت ثورة سلبية ضد التعطيل يوم الجمعة، بالاضافة الى التعطيل يوم السبت، خصوصا وان يوم الأحد هو العطلة الأسبوعية في البلاد.

بعد الضجّة السلبية، التي عمّت البلاد، والاحتجاج الاسلامي على عدم التعطيل يوم الجمعة، تحولت الضجّة الى ثورة أو الى فتنة داخلية، حتى ان معظم القيادات جارت القيادات الاسلامية، ورفضت التوجه الى اعتماد يوم اسلامي يوم عطلة للمسيحيين والمسلمين، الأمر الذي حمل الرئيس سليمان فرنجيه الى شطب الموضوع، والعودة الى النظام السابق الذي يتيح للمسلمين العمل في دوائر الدولة حتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.

إلاّ أن النظام الجديد، شهر سيف السلبية في وجه تمديد العمل في الدوائر الرسمية حتى الساعة الثالثة والنصف أو حتى الرابعة مساء، مقابل التعطيل يوم السبت.

وهذا الأمر أيقظ الشعور الاسلامي بوجود غبن اداري ينبغي تلافيه بأي سبب من الأسباب.

وهكذا طار موضوع التعطيل يوم الجمعة من الأدراج، وبات هذا الموضوع، سببا خلافيا، لا نهجا تسلكه الادارة لأسباب عابرة، أو لأسباب قاهرة.

وصارح الرئيس سليمان فرنجيه الجميع بأنه يريد الفكرة فرصة نحو التطوير، لا فتنة بين الطوائف، وقد اجتمع الى الوزير خاتشيك بابكيان ورئيس مجلس الوزراء صائب سلام، والرئيس تقي الدين الصلح، وقرروا تجميد الموضوع الى اشعار آخر تلافيا لأزمة غير مطلوبة.

كان الرئيس العماد ميشال عون في اليوم الأول من زيارته للمقر الصيفي لرئاسة الجمهورية في بيت الدين، عندما كان بعض الأئمة يلتقون في محافظة عكار، للاحتجاج على عدم التعطيل يوم الجمعة، لكنه اتصل – كما قيل – بالرئيس سعد الحريري الذي كان يجوب عرسال ويزور عكار، ليؤكد له انه يريد للناس راحة لا فتنة، وان كل الأمور يمكن ان تجري في رحاب التهدئة، والتعقل، ولا يريدها ان تجرّ الوطن الى فتنة.

والبلاد عرفت أياما صعبة وقاسية وحادة خلال الأسبوع الفائت، خصوصا بعدما شهر اللبنانيون جميعا، سيف العقل والتعقل في الجبال المحيطة بمدينة عرسال، وأرست في الهضاب والسهول قواعد الصمود في وجه التطرف والانحراف. ولم تمض أيام على مبادرة الجيش الى اعتبار فجر الجرود، انبلاجا جديدا لفجر طال غيابه عن البلاد.

وعلى مدى أيام، ثبت للناس ان فجر الجرود كان المناسبة المطلوبة للمبادرة الى سحق داعش كما سحقت شقيقتها النصرة في أقاصي البقاع، وما يجعل المواطنين اللبنانيين من معظم الأفرقاء يشعرون انهم فريق واحد، لا فريقان، ضد الارهاب ومع السلام. الذي جافاهم فترة طويلة من الزمان.

ويقول العارفون بالأسرار، ان الجولة الميدانية التي قام بها رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على محاور جبهة جرود رأس بعلبك والقاع أتاحت الفرصة لمعاينة البقعة التي يتمركز فيها مسلحو داعش ويستعد الجيش لحسمها، واعطائها بعدا بارزا على المرحلة الأخيرة من المعركة، اذ أظهرت ذروة الدعم الحكومي للجيش في مهمته، وهو الأمر الذي شاء الرئيس سعد الحريري تظهيره بقوة، ذلك ان زيارته جاءت في اليوم الخامس من عملية فجر الجرود، في وقت كانت فيه الاجراءات العسكرية تتركز على اعادة انتشار عسكرية ميدانية لانجاز المرحلة النهائية لعملية فجر الجرود.

والمعلومات تفيد بأن الأيام الثلاثة المقبلة، ستكون كافية لدحر داعش وأخواتها وأنسبائها، والانطلاق نحو تحرير الجبال من النصرة سابقا وداعش حاليا.

وفي المعلومات ان الرئيس الحريري قام بجولة واسعة مع قائد الجيش اللبناني على ثكنة رأس بعلبك، ومحاور الجرود، وأكد ان الحكومة تقف خلف الجيش البطل الذي يقوم بمهمة صعبة.

ووصف الرئيس الحريري المعركة بأنها وطنية بامتياز، وعلى أعلى المستويات وان لدينا شهداء سقطوا ورووا بدمائهم الأرض لحماية البلد، وليعيش اللبناني بحرية واستقرار وأمن…

ووسط هذه الأجواء، بدا واضحا، ان خصوصية هذه الأرض الجغرافية الصعبة، ويمكن القول ان معركة فاصلة آتية، بعدما بات الجيش اللبناني يعمل الآن بكل طاقاته والامكانات لتنظيف وانجاز ما يعمل من أجله لتطهير الأرض من مغتصبيها.

ويقول مجد بو مجاهد، اننا اذا ما أردنا اختصار المنطقة التي لا تزال جماعة داعش تحتلها في الجرود البقاعية انها منطقة استراتيجية مشوبة بأماكن هي مبرر للخوف لما تنطوي عليه من تضاريس. وتاريخيا جرى وصف جرود القاع بالمنطقة العريقة، لأنها اشتهرت في أربعينات القرن الماضي بالكثير من سكانها والرعيان، قبل احتلالها من قبل داعش. ويروى ان زنوبيا ملكة تدمر كانت قد مرّت في جبال كاشفة على احدى الأودية، ولم يكن أحد يستطيع الوصول اليها لما فيها من مغاور وصخور، وان للمغارة مدخلاً واحداً، مما يعني ان الدخول اليها والخروج منها متاح من منفذ طبيعي واحد. وفي معلومات الخبراء، ان داعش نظم دفاعاته على أساس توافر خمسة مسلحين في المنطقة الواحدة، وهو عدد قليل من المقاتلين. والسؤال: ماذا يمكن داعش فعله، في المرحلة الأخيرة، انه كتنظيم أمام خيارين رئيسيين: القتال حتى الموت، أو الاستسلام الفردي أو اللجوء الى عمليات كسر الطوق والنفاذ الجماعي، لكن ثمة أكبر من حزام أمني في الأراضي اللبنانية. وعن فرص القتال وجها لوجه يقول هؤلاء الخبراء، انها غير مستبعدة والطيران الجوي فعّال، وفي استطاعته استهداف مراكز المسلحين في دقّة عالية، ولكن ذلك لا يلغي فرضية القتال المباشر، بل يحدّ منها ولا يغيب عن الظنّ، لأن الجيش يتقيّد بحذافير القانون الدولي، وهي قيود تعرقل بعض العمليات.

وفي رأي العلماء، ان فورة تأييد الجيش في كل مكان، تدلّ على تعطّش الناس للشرعية وللدولة قبل أي شيء آخر، وبخلاف ما يتوهم بعضهم الى استنتاج أو استحسان استقلالية الجيش ووحدانيته كقوة ممسكة بالسلاح الشرعي من دون شريك، وهذا ما يدفع الكثيرين الى المطالبة باستقلالية اللبنانيين في بلاد الانتشار، وللجميع آذان مصغية الى تقبّل هذه الأفكار.

طبعا، ليس المطلوب ادخال البلاد في حرب أهلية، أو في صراع مخابراتي أو مذهبي بل في واقعية متجرّدة من الحساسيات.

والسؤال المطروح هو: هل يبقى لسوريا مصلحة في ابقاء حدودها مع لبنان متداخلة ومتشابكة، بعد ان يكون تطهيرها من الارهابيين، أم الى ان تنتهي الحرب فيها ونعرف الى أي موضع سوف تستقر، تمهيدا لمراقبتها حرصا على الحدود في الداخل والخارج!

والجواب ان موقف سوريا من الوضع على حدود لبنان، لا بد من أن يظهر كما يقول الكاتب اميل خوري، على حقيقة التخلص من داعش ومن كل تنظيم ارهابي لمعرفة طبيعة المرحلة التي تلي ذلك، إذ انه، قد يكون من الصعب، في ظلّ الظروف السائدة في سوريا، البحث في طبيعة المرحلة، خصوصا ان في لبنان من لا يريد التوصل الى التواصل والتنسيق مع النظام الحالي في سوريا، بل مع نظام جديد يلتزم بما تمّ الاتفاق عليه، لقد قام الجيش اللبناني بواجبه الوطني، فطهّر الجرود من الارهابيين، منفذا بصدق شعار تضحية، وفاء فهل يقوم أهل الحكم وأهل السياسة بواجبهم أيضا، فينفذون شعار: سيادة وحرية واستقلال بتنفيذ القرار ١٧٠١ تنفيذا كاملا ودقيقا، لأن بتنفيذه التطبيق المطلوب لحماية لبنان بقواته الذاتية ومن دون حاجة الى أي قوة مستعارة بما فيه قوة اليونيفيل، وهي قوة تحافظ على الأمن وليست قوة قتال لفرضه كي تبقى الحدود مع اسرائيل، ويتم توسيع انتشارها على حدود سوريا.

ان لبنان هو الآن بحاجة استراتيجية تجعله يتحاشى تداعيات وجود اللاجئين السوريين اليه وما يرافقها من تداعيات تجعل أزمة النزوح السوري صعبة، كما كانت قضية اللاجئين الفلسطينيين قبل نحو سبعين عاما.

كان فؤاد بطرس في حقبة الخمسينات رجل فؤاد شهاب غير المعلن سياسيا، لكنه كان يدرك حظوته عند فؤاد شهاب، الذي كان يعرف مكانته السياسية، ويقف مسبقا على توازنه السياسي واتزانه.

كان كامل الأسعد لا يكنّ تقديرا للرئيس شارل حلو، إلاّ ان فؤاد بطرس كان يعرف ان رئيس مجلس النواب يومئذ لا يكنّ أي محبّة للأمير عبدالعزيز شهاب المطلوب من الشهابيين. إلاّ أن فؤاد بطرس بادر كامل الأسعد بأن عبدالعزيز شهاب هو الأقرب الى الرئاسة من شارل حلو، فطلب على الفور من فؤاد بطرس تزكية اسم شارل حلو، لا حبّا به بل كرها بعبدالعزيز شهاب.

قبل ساعات من اجتماع الشهابيين في فندق الكارلتون، أبلغ فؤاد شهاب أركان الشهابية بأنه يريد شارل حلو في العام ١٩٦٤، لا سواه.

في ١٨ آب ١٩٦٤، اجتمع مجلس النواب وانتخب شارل حلو بعد تزكيته من قبل كامل الأسعد. ونال ٩٢ صوتا نيابيا مقابل خمسة أصوات للشيخ بيار الجميّل. وفي ٢٣ أيلول أجرى الرئيسان السلف والخلف. التسليم والتسلّم في عجلتون مقر اقامة فواد شهاب.

كان شارل حلو في ظنّ فؤاد شهاب السياسي المعتدل والمنفتح والواسع الثقافة والمجرّب دستوريا وسياسيا، والعارف بدقّة البنية الطائفية لكنه لم يضع في حساباته مطلقا امكانات الطلاق بين الرجلين، لأن فؤاد شهاب لم يدر في خلده ان أركان الشعبة الثانية سيختلفون لاحقا مع الرئيس شارل حلو.

هل تتغيّر الأمور، وتطرأ على البلاد ظروف جديدة، تحول دون استمرار مسيرة العهد، في ظلّ تعاون صريح وواضح المعالم بين أركان الحكم الراهن، في غياب حساسيات صعبة، أمام نهج العقلاء في السلطلة.

العارفون بالأسرار، يقولون أن العهد الجديد نجح حتى الآن، في الملاءمة السياسية القائمة بين بعبدا، وعين التينة، وبيت الوسط لكن ثمة مطبّات عالقة قد تفقد بريقها إلا أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يقود الجمهورية بتعقّل، ويقال أنه مرتاح الى تعاونه مع الرئيس نبيه بري ومتفاهم الى حدٍ بعيد مع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، إلا ان الإنتخابات النيابية المقبلة، سواء كانت فرعية، في طرابلس وكسروان او متكاملة لا بدّ وان تخلق طبقة سياسية، يتفق عليها الرؤساء الثلاثة، من خلال استبعاد التمديد السياسي والنيابي، في أركان الأحزاب الثلاثة، ألا وهي التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية، تيار المستقبل بقيادة سعد الحريري، وتيار المردة بزعامة سليمان فرنجيه، وحزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. إلا الذي يبشر بتغييرات جذرية في صفوف الأحزاب المذكورة، وفق القانون الجديد للإنتخابات النيابية ودور المرشح التفضيلي، من تعديل نوعية النواب، بعد مرور ١٢ عاماً على وجودهم في مقاعدهم النيابية.

ويقول النائب السابق والخبير الدستوري صلاح حنين ان القانون الإنتخابي الجديد يعطي فرصاً مؤاتية للتغيير في التمثيل السياسي لأن النص الجديد الذي ينضوي على إعطاء المقعد التفضيلي، لمن يثبت أنه يتمتع بالأفضلية على سواه، هو مادة جاذبة للناخب، الى أي طائفة انتمى، لأن الإختيار السياسي لا يأتي بالصدفة بل هو حصيلة تجارب ومواقف لا تصدر كل لحظة.

وفي رأي صلاح حنين، انه مارس النيابة، وأقام علائق سياسية وإنسانية مع المواطنين، لكنه كان يكتشف أن القرار الأخير هو للناس، وهؤلاء يستمدون آراءهم من المواطنين، بعد تجارب طويلة مع الحياة الإنتخابية، الأمر الذي يدفع بالناخب الى اعتبار المرشح التفضيلي عصارة جهد، لا عبارة تطرأ عند كل معضلة.

ويرى وزير الخارجية جبران باسيل، أنه لم يؤيد المرشح التفضيلي رغبة منه في ترجيح كفّة هذا المرشح أو إبعاد خصمه، بل لإعطاء فرصة أمام الناخب والمرشح، لبلورة مشاعر الخدمة العامة، وتكريس حقوق المواطن على المرشح أو على المرشحين، في حقبة يصعب تجاهلها في القرن الحالي، لأن التكرار يحمل الملل أحياناً الى قطاعات واسعة من المواطنين.

وهذا، تعبير صارخ عن خلاصة التجارب السياسية في العهود السياسية والإنتخابية.