محطات الاحداث يومي ٢٥ و٣٠ حزيران تثير ما هو ابعد من زحام الذكريات. فالاحداث لا تزال تتطور بشكل دراماتيكي. وكل حدث كان خطا فاصلا بين مرحلتين: عام على اعلان الخلافة الداعشية فوق مساحات من العراق وسوريا وعامان على نزول ملايين المصريين الى الشارع للمطالبة بما فعله الجيش بعد ايام: عزل الرئيس محمد مرسي وانهاء حكم الاخوان المسلمين. وموعد لتوقيع الاتفاق النووي الذي يراه كثيرون نقطة تحول في مسار العلاقات الاميركية – الايرانية والنظام الامني الاقليمي.
لكن قطار المفاوضات بين ايران ومجموعة ٥١ على الملف النووي تجاوز محطة ٣٠ حزيران على امل التوقف في محطة اخرى. وليس امام الذين تصوروا بشيء من الحسابات الواقعية وشيء من التمنيات الخيالية ان اليوم التالي سيفتح باب الحل للقضايا المعقدة في لبنان والمنطقة سوى استمرار الرهانات. اما العام الداعشي، فانه حمل كل انواع المخاطر على المنطقة وشهد افظع العمليات الارهابية التي كان احدثها عشية الذكرى السنوية الاولى تفجير المسجد في الكويت وقتل السياح في تونس. واما السباق بين الدولة الامنية والدولة الدينية في مصر، فانه ترك الكثير من الضحايا على الطريق، وجعل الذكرى الثانية مخضبة بدماء النائب العام هشام بركات.
ومن المهم ان تكون ردود الفعل الأولى على العمليات الارهابية هي الدعوة الى الوحدة الوطنية وكشف هوية الارهابيين والسعي لسد الثغرات في العمل الامني واعطاء الاجهزة الامنية صلاحيات اوسع. لكن الاهم هو وضع الحرب على الارهاب في اطارها الشامل. فالحرب على داعش هي حربنا نحن، قبل ان تكون حرب العالم. واذا كانت الآراء في المنطقة منقسمة بين من يقول ان داعش صناعة اميركية، ومن يرى ان اميركا ليست جدية في محاربته، ومن يطالب باستراتيجية اميركية للقضاء عليه، فان الحد الادنى من الصدقية يتطلب الرهان على انفسنا. واذا كان الجانب العسكري من الحرب يحتاج الى قوة اميركا، فان الجانب الفكري يتوقف علينا وحدنا.
ذلك ان الاخطر من اسلحة الارهابيين هو الافكار التي يتم ملء رؤوسهم بها. ولو ربحنا الحرب الامنية والعسكرية على داعش من دون ان نربح حرب الافكار، فان المنطقة ستواجه تنظيمات اشد تطرفا من داعش الذي خرج من القاعدة وتجاوزها في الغلو والارهاب. ومن يقرأ اللغة المستخدمة في بيانات الارهابيين ويسمع ما يقوله هؤلاء وهم ينفذون عملياتهم يدرك ان الرؤوس محشوة بما هو اكثر من الخرافات والغيبيات وتكيف النفس الغاء الآخر.
ومن هنا نبدأ، والا كنا على الطريق الى نهاية الاوطان والمواطنين.