IMLebanon

إنسحاب الرضوان الى ما وراء الليطاني “وهم” لن يصبح حقيقة ترسانة حزب الله العسكريّة المتطوّرة حوّلته الى خطر استراتيجي 

 

 

“اسرائيل” واميركا تُدركان حجم المأزق وتبحثان عن إنجاز إعلامي لإقناع المستوطنين بالعودة

 

في مقابلة صحافية بالامس، حرّض رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع الاميركيين على حزب الله، وقال لهم “لا تصدقوا الحزب فهو يخدعكم ولن ينسحب من جنوب الليطاني”. هذا التحريض المريب في توقيته عشية الحديث عن هدنة مفترضة في غزة، ستنعكس حكما على الجبهة اللبنانية، ويحمل في طياته الكثير من “السذاجة”، كونه حقيقة يدركها الجميع بمن فيهم الاميركيون و ” الاسرائيليون”، الذين يبحثون عن “سلّم” وهمي ينزلهم عن شجرة التصعيد، ولا يحتاجون الى مَن يؤدي دور “الواشي” كي ينتبهوا الى ما يُحاك لهم من قبل حزب لبناني، يُفترض ان يحفظ “الحكيم” سره، ولا يبوح به الى الاعداء.

 

لكن المصالح الضيقة تؤدي دائما دورا مركزيا في تفكير البعض، اضافة الى الخوف الجدي من تسوية تكون على حساب حلفاء واشنطن على الساحة اللبنانية، كما تقول اوساط مقربة من حزب الله، لهذا لا يجب التوقف كثيرا عند كلام لا معنى له في هذا التوقيت، حيث تخاض المعارك الجدية في السياسة والعسكر في مكان آخر ترسم فيه معالم المنطقة، بما فيها لبنان، لسنوات مقبلة لن يكون فيها بقاء الا للاقوى الذي يجلس الى “الطاولة”، فيما يقضي الآخرون جل وقتهم “بالثرثرة” غير المفيدة، ويبيعون الاوهام للداخل والخارج الذي لم يعد يكترث كثيرا لهم.

 

وفي هذا السياق، تلفت تلك الاوساط الى ان اي تسوية مفترضة للوضع على الحدود جنوبا، بعد وقف النار في غزة، ستنتهي الى واحدة من معادلتين لا ثالث لهما:

 

– عودة الاوضاع الى ما قبل السابع من تشرين، وفق قواعد الاشتباك التي تلت حرب تموز 2006.

 

– الذهاب على تفاوض غير مباشر يؤدي الى استعادة لبنان كامل حقوقه البرية بما فيها مزارع شبعا، ووضعها مؤقتا تحت حماية دولية غير محسوم بعد لبنانيا، حيث ينتظر لبنان العرض الرسمي الاميركي الذي يفترض ان يحمله عاموس هوكشتاين.

 

لكن في كلا الحالين، تؤكد الاوساط انه لا يوجد ما يسمى انسحاب فعلي لحزب الله من منطقة عمليات ال1701، وهو امر يدركه الاميركيون ومعهم “الاسرائيليون”، الذين يبحثون عن عنوان عام يمكن تسويقه لدى المستوطنين لاقناعهم بالعودة، وهم يدركون ان حزب الله غير معني باستمرار المواجهات على الحدود بمجرد عودة الهدوء الى غزة، ولديهم تجربة ناجحة استمرت سنوات طويلة تلت ما يسمونه حرب لبنان الثانية في تموز 2006 . وما سيفعله مقاتلو حزب الله هو انهم سيخلعون بزاتهم العسكرية ويعودون الى منازلهم في القرى الحدودية كما كان سائدا قبل “طوفان الاقصى”، سواء اختارت “اسرائيل” تسوية شاملة لحل نقاط الخلاف البرية وضمنا مزارع شبعا، او وقف النار وفق القواعد السابقة، وغير ذلك لن تحصل على اي شيء، وكل “الثرثرة” الفارغة لمسؤوليها هي للاستهلاك الداخلي، لانهم يدركون جيدا ان المواجهة مع حزب الله مكلفة جدا واثمانها باهظة، ومسألة ابعاده عن الحدود فارغة من المضمون الجدي.

 

وفي هذا السياق، قلّل موقع “إسرائيل ديفنس”، المُختَّص بالشؤون الأمنيّة والعسكريّة، من أهمية ما يطرحه بعض قادة دولة الاحتلال حول إبعاد حزب الله عن الحدود، ونقل عن مسؤول امني “اسرائيلي” بارز تأكيده أنّ الوضع الاستراتيجيّ بين حزب الله و “الجيش الاسرائيلي” لن يتغيّر، بعدما ثبت في المعارك الاخيرة ان الحزب يملك قدرات صاروخية متطورة. ولفت الموقع إلى أنّ الصناعات العسكريّة الإيرانيّة أنتجت صاروخًا جديدًا مضادًا للمدرعات، خضع لسلسلة تجارب إطلاقٍ من مروحيةٍ، يُطلق عليه اسم (شفق) ويزن 48 كلغ ويبلغ مداه 20 كلم، وهو يشمل توجيه بواسطة ليزر أشعة تحت الحمراء، ويبثّ صورا بالفيديو، ويمكن ان يستخدم عبر منصات ارضية. كما شدّدّ الموقع “الإسرائيليّ” على أنّ الصواريخ المضادة للدروع الموجودة عند حزب الله شكّلت مشكلة فعلية “للجيش الإسرائيليّ”، منذ السابع من تشرين أول الماضي.

 

ويُعرف عن فئة الصواريخ التي استخدمها حزب الله حتى الآن، أنّها مشابهة لمكونات وتقنيات نظاميْ (جافلين) الاميركي “وسبايك الاسرائيلي”، ولا تحتاج الصواريخ بشكلٍ خاصٍّ إلى خط رؤيةٍ مباشرٍ، وتستخدم أجهزة استشعار كهروضوئية للوصول إلى أهدافها.

 

ووفقا للموقع “الاسرائيلي”، كان يُعتقد سابقًا أنّ نظام (إتش- جي12) الصينيّ، هو النظام الوحيد المضاد للدروع الذي يستخدمه خصوم الولايات المتحدة، بالرغم من أنّ أحدث اللقطات تشير إلى أنّ حزب الله قد حصل على أصولٍ مماثلةٍ على الأرجح من إيران، او كوريا الشمالية. ويعتقد “الاسرائيليون” أنّ نظام صواريخ الماس الإيرانيّ المضاد للدبابات، الذي تم تطويره في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين ويتمتع بقدرات مماثلة لصواريخ (سبايك)، استفاد في تطويره من دراسة تلك الأنظمة التي اغتنمها حزب الله من القوات “الإسرائيلية” خلال حرب لبنان الثانية عام 2006[LU1] .

 

كما يستخدم حزب الله الصاروخ الكوريّ (بولساي 3)، المعادل لصاروخ (كورنيت) الروسيّ، وهو أقوى، كما عزز حزب الله قدرته على تهديد القوات “الإسرائيليّة”، من خلال الاعتماد على شبكةٍ واسعةٍ من الأنفاق والمخابئ الممتدة عبر جنوب لبنان، والقادرة على إيواء وحدات المدفعية المتنقلة من بين الأصول الأخرى بأمان من الضربات الجويّة “الإسرائيليّة”. وما يخشاه “الاسرائيليون” هو ان يكون الحزب قد حصل على معلومات خطيرة حول أحدث أنظمة الحماية للدروع “الإسرائيليّة”، بعد أنْ اغتنم مقاتلو حماس مئات المركبات المدرعة “الإسرائيليّة” في عملية أكتوبر الماضي.

 

ويُعَّد حزب الله الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحًا في العالم، لامتلاكه مخزونًا كبيرًا ومتنوعًا من صواريخ المدفعية غير الموجهة، فضلاً عن الصواريخ الباليستية والصواريخ المضادة للطائرات والصواريخ المضادة للدبابات والسفن، وفقا لمركز الدراسات الاستراتيجيّة والدوليّة، الذي اكد في دراسة جديدة ان ترسانة الحزب هي الرادع الأساسيّ التي تمنع التدخل العسكريّ “الإسرائيليّ” ضد لبنان. ولفت الى ان قوات حزب الله النخبوية ليست فقط اكثر خبرة من القوات الإيرانية، بل أيضًا أفضل تجهيزا.

 

لكن هذه الاسباب، لم تعد مسألة تراجع “الرضوان” عن الحدود اولوية جدية عند احد، كون المسألة لم تعد ذات اهمية بسبب التطور الاستراتيجي في سلاح حزب الله، الذي بات احد اخطر التحديات الاستراتيجية بالنسبة الى “اسرائيل”، وبات تراجعه الوهمي عن الحدود مجرد “دعاية” للتسويق الداخلي، ولهذا لا تحتاج واشنطن و “اسرائيل” الى “وشاية” لبنانية كي تلتفت الى حجم المأزق الحالي، ولهذا لم يكن هناك اي داع لمن تبرّع بالنصيحة بان “يفقد ماء وجهه”.