إعتبر الوزير السابق رائد خوري انه من دون وضع رؤية متكاملة للمرحلة المستقبلية يتم وفقها بناء نموذج اقتصادي جديد، لا يمكن استعادة الثقة المفقودة ولا يمكن جذب الدولارات المطلوبة، مشيراً الى انه عندما يتم وضع قطار الاصلاح على السكة الصحيحة، وهو الأمر الذي لم يحصل بعد، «نحتاج الى ما بين 7 و10 سنوات للنهوض».
اعتبر الوزير السابق رائد خوري انّ مشروع موازنة 2022 كان يجب ان يتوازى وينسجم مع خطة واضحة تمتدّ على 5 او 10 سنوات للنهوض من الأزمة واعادة تفعيل الاقتصاد وبناء نموذج اقتصادي جديد بعد ان تدهور وانتهى النموذج السائد على مرّ السنوات السابقة. وبالتالي، فإنّ وضع رؤية لبناء لبنان من جديد على الصعيد الاقتصادي ضرورة ملحّة، «من خلال تحديد وتحفيز القطاعات التي يمكن التعويل عليها وتطويرها ودعمها من اجل النهوض بالاقتصاد، لأنّ الاتكال على القطاع المصرفي مثلما جرت العادة لم يعد أمرا واردا في ظلّ سياسة التدمير التي لحقت بهذا القطاع».
وقال: «ليست الموازنة الاولى التي تخلو من اي رؤية على المدى المتوسط والبعيد، فكل الموازنات السابقة لم تعتمد على رؤية واهداف محددة منها عجز الموازنة، وهو ما سعت الحكومة الى تحقيقه عبر الموازاة بين الايرادات والنفقات إلا ان الاهداف الاقتصادية الاخرى غفل عنها تماماً مشروع موازنة 2022 الذي لم يتضمّن أي تحفيزات لقطاعات اقتصادية معيّنة او توجّه محدد من قبل الدولة لحماية قطاعات معيّنة».
أضاف: «كان من الممكن ان يقتبس مشروع الموازنة من خطة ماكينزي الاقتصادية التي اقرّها مجلس الوزراء، بعد اعادة تحديثها وتعديلها. لا يمكن بأي شكل من الاشكال ان ينهض أي بلد من الانهيار الذي يشهده لبنان حاليا، من دون وجود رؤية اقتصادية تحفّز المستثمرين وتمنحهم الثقة بتوجّه الدولة والنموذج الاقتصادي الذي تحاول بناءه في المرحلة المقبلة».
واعتبر انّ هدف مشروع الموازنة الوحيد هو الموازاة بين الايرادات والنفقات، علماً ان الانفاق الاستثماري على بعض القطاعات لدعمها قد يزيد العجز حالياً، إلا انه سيدّر أرباحاً أكبر بكثير في المستقبل ويعوّض العجوزات المالية الحالية، «لهذا السبب يتمّ وضع رؤية اقتصادية لتحديد القطاعات التي سيتم دعمها، على ان يتم بموجبها جذب الاستثمارات الخارجية الى تلك القطاعات. ولكن في غياب تلك الرؤية وفي غياب الانفاق الاستثماري، لن تتدفّق اموال الاستثمارات التي يحتاج اليها لبنان للخروج من أزمته».
تابع: «مشكلة لبنان الاساسية حالياً هي افتقاره للسيولة النقدية بالعملة الاجنبية. وبالتالي، من اجل جذب تلك الاموال، نحتاج الى استعادة الثقة من خلال وضع وتنفيذ رؤية متكاملة ومستدامة».
وشدّد خوري على ان صندوق النقد الدولي لن يضغط او يشترط بناء نموذج اقتصادي جديد بل ان اهتماماته تنصبّ على قدرة وإمكانية الدولة على اعادة سداد القروض التي قد يمنحها ايّاها، وبالتالي فإنّ تلبية الاصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي ليست كافية لجذب السيولة النقدية المطلوبة، بل سياسة الدولة وتوجّهاتها الاقتصادية هي التي ستساهم في استعادة الثقة وجذب الاستثمارات الخارجية.
وشرح ان زيادة الضرائب والرسوم ليست الحلّ، لأن معظم الشركات إمّا أقفل او يتجّه نحو الاقفال، وبالتالي، إن لم توجد الحوافز لجذب استثمارات جديدة، لن تنفع لا زيادة الضرائب ولا غيرها من اجراءات لزيادة ايرادات الخزينة. معتبراً ان الاستناد على حجم الواردات في العامين الماضيين لتقدير حجم الايرادات المتوقعة في 2022 أمر خاطئ لأن اوضاع معظم الشركات آخذة في التدهور، وستؤدي الزيادة في الضرائب الى مزيد من الانكماش ولن تحقق الهدف المرجوّ منها.
من جهة اخرى، وحول اقتراح رئيس الجمهورية عدم سداد الفوائد على الدين الداخلي على غرار اليوروبوندز، رأى خوري ان أكبر جريمة ارتكبت في حق لبنان كانت التخلّف عن سداد الفوائد على اليوروبوندز، ما ادّى الى خروجه عن الخارطة المالية في العالم، ودمّر سمعته. واكبر ميزة كان يتمتّع بها هي التزامه التام والمطلق قبل الحرب وبعدها في سداد ديونه الخارجية والمحلية. وقال: خسر لبنان هذه السمعة وهذه الميزة التي تقدّر بأكثر من 50 مليار دولار، من اجل توفير ملياري دولار وإنفاقها على الدعم الذي لم يدم سوى شهرين. وأسِف للاستمرار في هذا النهج والتخلف عن سداد فوائد الدين الداخلي ما من شأنه ان يُسيء أيضا الى سمعة لبنان والى امتناع الجهات المانحة عن إقراضه مجددا.
وبالنسبة الى خطة توزيع الخسائر التي تقترحها الحكومة والتي تحمّل المصارف الجزء الاكبر من الخسائر، مما يرتدّ سلباً على المودعين، اعتبر خوري ان الدولة تتنصّل من مسؤولياتها لناحية تَحمّل النسبة الاكبر من الخسائر علما انها العنصر الذي ارتكب جرم الاستدانة وعدم سداد الديون، مضيفاً: «قد يكون القطاع المصرفي شريكا أيضا، إلا ان المرتكب الاول للجرم هو الدولة».
وختم خوري معتبراً ان الامور باقية على حالها وان لا موازنة ولا خطة ولا برنامج إنقاذ مع صندوق النقد الدولي قد يبصر النور قبل حصول الانتخابات واعادة تكوين سلطة جديدة، لأنّ المجتمع الدولي لن يفاوض او يتفق مع سلطة منتهية الصلاحية. وفي المقابل، فإنّ السلطة الحاكمة لا تبالي او تهتم قبَيل الانتخابات باتخاذ اجراءات اصلاحية عير شعبوية من اجل تحقيق مطالب صندوق النقد الدولي او غيره.