كل ما يتواتر من غزة يشير إلى أن الفرج من المأساة في القطاع غير منظور، رغم كل ما يُقال عكس ذلك وما يُحكى عن جدية في المفاوضات غير المباشرة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وحركة «حماس».
أكثر من ذلك، يذهب كثيرون من أهل القطاع إلى أن نتنياهو مصر على اجتياح رفح، وهذا الأمر بات مسألة وقت تحدده الظروف الداخلية والخارجية.
في مقابل ذلك، يبدو الشعب الغزاوي مصمما على عدم الاستسلام والقتال حتى آخر نفس، بغض النظر عن تأييده لـ«حماس» أو تراجع شرائح عن هذا التأييد، فالمعركة مصيرية خاصة بعد كل الخسائر التي حصلت والتي تعرضت لها المقاومة تماما كشعبها في القطاع.
يحاول نتنياهو شراء الوقت بينما يستعد عسكريا وخططيا للاجتياح، ولا يأبه للضغط الأميركي بعدم الإقدام على هذه الخطوة المجنونة. وهو يبحث مع حلفائه المقربين من اليمين ومع قادة الجيش آلية التحييد (شبه المستحيل) للمدنيين قبيل الاجتياح.
والحال أن نتنياهو تشجع مع مرور أكثر من نصف شهر رمضان من دون حراك مسلح في الضفة الغربية، بل انه قام بتوغلات واقتحامات كان آخرها في جنين ما يدلل على نيته العدوانية التصعيدية رغم ما قدمته «حماس» من ليونة في المفاوضات، وهو ما لا يعني أباطرة اليمين الاسرائيلي في الأصل، فهم يريدون حرب إبادة ولا يزالون يمنون النفس بحلمهم القديم في الترانسفير الفلسطيني نحو مصر والأردن.
تشير مصادر فلسطينية في الداخل إلى أن المفاوضات غير ذات قيمة وهي مضيعة للوقت، والضغط الأميركي غير كاف لوقف الحرب مع بدء العد العكسي للانتخابات الأميركية حيث يريد الرئيس الأميركي جو بايدن تجنب الصدام مع اللوبي اليهودي، وهو يحاول قدر الإمكان الإمساك بالعصا من المنتصف بين مؤيدي حكومة التطرف الإسرائيلي وموجة وقف الحرب التي ينخرط فيها الكثير من اليهود.
هذا لا ينفي الخلاف الجدي بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، لكن حسب المصادر فإن الأمور تتدحرج في شكل يومي رغما عن أنف كل العالم والأميركيين، فالقراءة الإسرائيلية تُصر على أن «حماس» باتت ضعيفة وعارية من أي دعم حقيقي يجنبها الهزيمة حتى باتت تلعب اليوم على مشاعر الشعوب كما أن الوقت لا يعمل لصالحها.
القراءة نفسها تحتفظ بتقدير غير إيجابي حيال الجبهة الشمالية مع «حزب الله» الذي لم يعد قادرا على تحديد ماهية التصعيد الإسرائيلي والأمور خرجت من يده، فالاعتبار الأمني لدى الدولة العبرية فوق أي اعتبار.
قد لا يحدث الأسوأ في شهر رمضان، لكن لا مؤشرات لنفيه، كما قد تتخذ الأمور وقتا طويلا بين افتقاد القرار الإسرائيلي للهجوم وحيدا من دون دعم أميركي، واستمرار التصعيد والقتل رغم افتقاد الدعم العالمي ورغم القرار الأخير 2827 في مجلس الأمن الذي مررته واشنطن من دون استعمال حق النقض الفيتو.
السماح بنقل النازحين إلى الشمال؟
إذاً الأمور تزداد غموضا وسط إقتراحات أميركية يحملها الجنرالات من واشنطن لمحاولة اجتراح خطط أخرى لغزو رفح ذات طابع تكنولوجي وعبر الذكاء الإصطناعي التي يردد الإسرائيليون قبل فترة أن بعضها نجح في عملية تحديد مكان واغتيال القيادي في «كتائب عز الدين القسام» مروان عيسى..
وثمة ضغوط أميركية هنا على نتنياهو لعدم التسرع ودرس البدائل والعمل في ميادين أخرى قبل رفح، مثل وسط القطاع في المناطق التي لم يحكم جيش العدو السيطرة عليها ومنها انطلقت صواريخ المقاومة اخيرا مثل دير البلح والنصيرات.. ومثل خطط فصل رفح عن خان يونس أي فعليا الفصل بين الحدود المصرية وخان يونس وغيرها من الخطط البديلة عن الغزو.. في سبيل الضغط على «حماس» تفاوضيا كما الضغط على الوسطاء، أو على سبيل الضغط المعنوي قبل تعزيز الوضع العسكري الاسرائيلي وزياة عدد الكتائب الأربع التي تعمل في شكل مكثف ومن ثم استدعاء الاحتياط، وهذا ربما ما يفسر كثافة الغارات الأخيرة المرتبط بدوره بتعثر المفاوضات..
على أنه في خضم هذا المشهد القاتم، يطرح متابعون لما يحدث سؤالا حول الكلام الأخير لنتنياهو الذي سيتجرع مرارة الهزيمة السياسية في حال انتهى العدوان في هذه اللحظة: لماذا طرح صيغة نقل نازحين إلى الشمال في إطار نية غزو رفح؟
ربما كانت رسالة بأن الرجل لم يعد معارضا بالكامل لعودة النازحين إلى الشمال ما شكل أحد البنود الخلافية الرئيسية في المفاوضات.