Site icon IMLebanon

اسرائيل دولة مارقة تهدِّد أمن واستقرار المنطقة

 

يبدو بأن حكومة نتنياهو قد قررت من خلال اصرارها على تنفيذ عملية رفح ارتكاب المزيد من المجازر، ورفع عدد القتلى الفلسطينيين عشرة آلاف مدني، اكثريتهم من النساء والاطفال، وذلك بالرغم من النصائح والضغوط التي مارستها القيادات الاميركية وأمين عام الامم المتحدة، وتحذيرات هيئة محكمة العدل الدولية.

حملت اخبار الميدان من رفح انباء عن ارتكاب اسرائيل مجزرة كبيرة جديدة، وصفها نتنياهو نفسه «بالخطأ المأسوي»، واعداً باجراء تحقيق حول اسبابها، وذلك انطلاقاً من قوله بأن المقصود منها لم يكن قتل المدنيين، ويبقى من المشكوك فيه ان يقبل المجتمع الدولي، والدولتان الوسيطتان مصر وقطر مثل هذه الاعذار الكاذبة والسخيفة التي سيقدمها المسؤولون الاسرائيليون حول مقتل ما يزيد عن 45 مدنياً، بالاضافة الى عشرات الجرحى.

 

نظراً لفداحة الخسائر في صفوف المدنيين، وخصوصاً من النساء والاطفال فقد قرر مجلس الامن عقد اجتماع طارئ لمناقشة هذه الغارة على رفح بعد 24 ساعة من حدوثها، ولكن وكالعادة فإن قرار الولايات المتحدة باستعمال حق النقض سيكون بالمرصاد لأي قرار دولي بتحميل اسرائيل مسؤولية المجزرة التي حدثت.

في الوقت الذي كان فيه العالم يتحضر لادانة اسرائيل على ارتكابها لهذه المجزرة، فقد استمرت القيادات الاسرائيلية في تنكُّرها لكل الدعوات والتحذيرات حول ضرورة تفادي إيذاء المدنيِّين، حيث نقلت وسائل الاعلام حصول المزيد من الارتكابات الاسرائيلية الجديدة، بدءاً من مقتل عسكري مصري وجرح آخر، الى ارتكاب مجزرة جديدة اصابت النازحين المدنيين في رفح، مع مقتل 16 وجرح آخرين، وبما يؤكد مدى استخفاف اسرائيل بالهيئات الدولية وبالقانون الدولي.

ولم تسلم من القصف الاسرائيلي الوحشي المؤسسات الصحية، حيث افادت الاخبار امس الثلاثاء عن اغلاق المستشفى الرئيسي في رفح، وذلك بسبب القصف ومقتل اثنين من طاقمه الطبي. تأتي هذه التطورات العسكرية الدراماتيكية بدءاً من اليوم التالي لاعلان تل ابيب بأنها وافقت على استئناف المفاوضات مع حماس بوساطة مصرية – قطرية، من اجل التوصل الى صيغة لتبادل الاسرى والرهائن، وتحقيق وقف لاطلاق النار في القطاع، مع انهاء العمليات العسكرية الوحشية الجارية في مدينة رفح.

قبل بدء المفاوضات الفعلية جاءت اخبار المجازر المتتالية، الامر الذي دفع حماس لابلاغ الوسطاء عدم رغبتها للمشاركة في اية مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي.

في رأينا، ان التطورات الدراماتيكية المتلاحقة في رفح، وحتى في شمال غزة، تطرح تساؤلات مبررة حول مدى جدية وصدق نوايا نتنياهو لاعلان قراره باستئناف المفاوضات لحل مشكلة الرهائن. يترك الموقف الاسرائيلي الجديد تناقضاته الراهنة تساؤلات حول مصداقية القيادتين العسكرية والسياسية وحسن نواياهما في التوصل الى هدنة مقابل تحرير عدد من الرهائن والاسرى. ان مصداقية الحكومة الاسرائيلية هي على المحك مع حماس ومع الوسطاء، ومع أهالي الرهائن والرأي العالم الاسرائيلي المطالب بانهاء الحرب، وباسقاط حكومة نتنياهو.

بعد اكثر من ثمانية اشهر من بدء الحرب، وتدمير ما يقارب 80 من المئة من جميع البنى العمرانية في قطاع غزة، وذلك بحجة ضرورة اعتراف المجتمع الدولي بحقها في الدفاع عن نفسها، بات من الضروري لها ان تعمل بأن اكثرية دول العالم والمجتمعات، حتى داخل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي قد تعبت من غطرستها، ومن سلوكياتها العسكرية، كما باتت تعتبر أن عملياتها الجوية ضد مخيمات النازحين قد تحوّلت الى جرائم حرب، وهذا ما عبرت عنه بالفعل قرارات محكمة العدل الدولية، والذي اصدر مذكرة توقيف بحق نتنياهو بعدما اعتبر بأن الحرب قد خرجت عن كل ضوابط قانون الحرب، وقوانين حماية المدنيين.

في المرحلة الراهنة وبعد دخول معركة رفح مرحلة حاسمة وخطيرة لقد بات من الضروري ان تتغيّر مواقف القيادات الاميركية والاوروبية، بحيث لا تكتفي بتحذير اسرائيل وحضها على التقيد بقوانين حماية المدنيين، بل تعدّى ذلك الى تسهيل اتخاذ قرار من مجلس الامن الدولي بالدعوة (وبصرامة) الى وقف نار نهائي في غزة، على ان يتبع ذلك انسحاب اسرائيلي من القطاع.

ان حجم الضحايا البشرية وحنث اسرائيل بتحمُّل التعهدات لحماية المدنيين باتت تدفع نحو تصنيف اسرائيل كدولة مارقة، وتهدد بسلوكيتها العسكرية أمن واستقرار منطقة الشرق الاوسط برمتها.

لم تعد هذه الحقائق خافية على المجتمع الدولي وعلى بقية اعضاء مجلس الامن بعدما تحدث تقرير وزارة الخارجية الاميركية في 15 ايار الجاري عن ان التقييم الموضوعي للعمليات الاسرائيلية في قطاع غزة يؤشر وبشكل لا يقبل الشك الى خرقها الفاضح للقانون الانساني الدولي للحرب، حول ما يجب فعله لوقف جرائم الحرب التي ترتكبها اسرائيل بشكل دائم وبوضح النهار وبأسلحة اميركية، وذلك انطلاقاً من حسابات انتخابية تصب في صالح اعادة انتخاب الرئيس بايدن لولاية ثانية.