IMLebanon

وكأن نار جهنم برداً وسلاماً عليهم!

 

لعله من سوء الصدف أن يطل علينا الرئيس الشهيد رفيق الحريري من عليائه، في ذكرى عيد ميلاده، الذي يُصادف في يوم جميع القديسين، ويرى هذه المشاهد المحزنة في العاصمة، التي طالما أرادها جوهرة العرب، ولؤلؤة المتوسط.

 

قلب بيروت، الذي كان قبلة السياحة العربية والأجنبية، ويضج بالحركة على مدار الساعة، وتتسابق البيوتات العالمية لحجز المساحات لماركاتها الدولية، أصبح مجموعة أحياء مهجورة، بعدما أمعنت أيادي الشغب والتخريب في التعدي على الأملاك العامة والخاصة، دون رادع من أمن حاسم، ولا وازع من ضمير غائب.

 

مرفأ بيروت الذي احتل المرتبة الفضلى في ورشة إعادة الإعمار، وتوسعت طاقاته، وكبرت إمكانياته، ليكون مرفأ العرب على شاطئ المتوسط، وهمزة الوصل بين تجارة الغرب وأسواق الشرق، تحوّل خلال دقائق، وعبر إنفجار زلزالي غادر ومدمّر، إلى تلال من الركام، تبكي أيام المجد التليد، ولا تجد من يمسح الدماء والدموع التي انهمرت أنهاراً، حزناً وغضباً على سقوط دولة، وتلاشي سلطة، وفشل منظومة حاكمة ما زالت تُمعن في فسادها، وتعاند في إنكارها.

 

أحياء العاصمة الجميلة والتراثية، عَصَف الانفجار الهيروشيمي الرهيب ببناياتها التاريخية، وأحالها جبالاً من الأنقاض، فسقط عشرات الشهداء، وتشردت آلاف العائلات، ولم تنجُ مستشفيات المنطقة من هول الكارثة، وأصبح مئات المرضى بلا مأوى، ولا سقف يأويهم من رعب الفاجعة.

 

ورغم أن هذه الكارثة المدمرة هزت العالم، وتسابقت القيادات الدولية للقدوم إلى البلد المنكوب، ومد يد العون والمساعدة للتخفيف من آلام ومعاناة هذا الشعب المقهور، ورغم كل الحماس الذي أظهره الرئيس ماكرون في إخراج لبنان من عزلته الدولية، وفك الحصار الاقتصادي الخانق لأوضاعه المالية والنقدية والاجتماعية، فقد استمرت المنظومة الحاكمة في أدائها الفاشل، مغلبة المصالح الفئوية والحزبية، على ما عداها من مصالح الوطن الذي يحتضر، سياسياً واقتصادياً ومعيشياً، وشعبه سقط في مهاوي الفقر والعوز والبطالة، وأصبحت الأكثرية الساحقة من اللبنانيين تحت خط الفقر!

 

ماذا نقول للرئيس الشهيد، الذي داهمته يد الخيانة، وهو في ذروة عطائه لبلده، حيث فارقنا ولبنان يعيش حالة مِن البحبوحة والازدهار، وينعم بالكهرباء على مدار الساعة، ويتمتع بأهم شبكة إتصالات خليوية في المنطقة، ويجذب الاستثمارات الخارجية بالمليارات سنوياً، وجعل منطقة سوليدير مشروعاً يُحتذى في أكثر من دولة عربية، وبنى عشرات المستشفيات، وعمّم المجمعات المدرسية، وربط المناطق بشبكات من الأوتوسترادات الحديثة، وبنى المطار الجديد، وأعاد بناء المدينة الرياضية، وأنجز مشروع مستشفى بيروت الحكومي، الذي يخوض المعركة الكبرى ضد الكورونا حالياً، والأهم من كل ذلك أنه حقق كل هذه الإنجازات، وأرقام الدين العام لم تتجاوز ٣٥ مليار دولار عام ٢٠٠٥.

 

ماذا نقول للرئيس الشهيد، وهو يطل علينا من عليائه في ذكرى عيد ميلاده، والدين العام قد بلغ المئة مليار دولار، والدولة أصبحت مفلسة وتوقفت عن دفع استحقاقات اليوروبوند، والانهيارات المالية تتوالى يوماً بعد يوم أمام بصر المسؤولين وعجزهم المتمادي، وحالة الفوضى العارمة في الأسواق والأسعار، وشهر سيف وقف الدعم فوق رؤوس اللبنانيين، واختفاء الدواء والمحروقات والقمح، واستمرار حجز الودائع، والتلاعب بأسعار الدولار، ومسلسل المآسي الذي لا ينتهي، ومع ذلك فأهل الحكم يتصرفون وكأن الدنيا بألف خير، وكأن وجود حكومة فاعلة وقادرة، لا ضرورة له لوقف الانحدار الحالي، وإطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وإعادة فتح أبواب المساعدات في أسرع وقت ممكن، وهي خطوات لا بد منها لخروج البلد من النفق المظلم.

 

فخامة الرئيس، توقع عشية إنتهاء السنة الرابعة من ولايته، أن يذهب لبنان إلى «جهنم» في حال حصل تأخر في تشكيل الحكومة الجديدة.

 

التأخر الفاضح في تأليف الحكومة يتجدد أسبوعاً بعد أسبوع، والبلد يتلوّى بنار جهنم وصرخات الناس الغلابى تشق عنان السماء، والمسؤولون يتصرفون وكأن نار جهنم هي برداً وسلاماً عليهم!