IMLebanon

ما نجح في إنجازه.. فشل الآخرون في تحقيقه!

 

لا ينتظر اللبنانيون يوم ١٤ شباط ليتذكروا رفيق الحريري والمرحلة الذهبية التي عاشها لبنان في سنوات حكوماته، والتي كانت أشبه بحلم وردي إقتحم جبال الإحباط واليأس التي تراكمت طوال فترة الحرب السوداء، لا سيما في عامي ١٩٨٩و١٩٩٠ .

وسط هذه الظلمة التي تُسوّد أيام اللبنانيين، تحل الذكرى السادسة عشرة لإستشهاد الحريري، ولبنان يتخبط في دوامة لا تنتهي من الإنهيارات، تبدأ بسلطة عاجزة عن التصدي لهذه الأزمات، وتُفاقم بفشلها وعنادها ومكابرتها المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية، ولا أحد يعرف إلى أين سيصل هذا الإنحدار المخيف بعدما بلغ جهنم، حسب توقعات رئيس الجمهورية، ومستمر إلى بعد.. بعد جهنم.

لا داعي للمقارنة أين كان لبنان في فترة التسعينات، وورشة الإعمار والنهوض بالبشر والحجر التي قادها رفيق الحريري، وأثمرت في فترة قياسية مجموعة من المنجزات التنموية والحضارية، رفعت عن الوطن المنكوب أنقاض الحروب المدمرة، وأعادت بناء زهرة العواصم بيروت، ونشرت المستشفيات والمدارس في أنحاء البلاد، ووضعت بلد الأرز على الخريطة العالمية من جديد، وإستقبل القمتين العربية والفرنكوفونية، وعاد الحديث عن «سويسرا الشرق» بعد سنوات عجاف ساد فيها القتل والخطف والإغتيالات، ووصمت البلد بتهم الإرهاب.

في زمن الضياع والفشل والعجز الذي يعتصر كل مقومات الدولة والوطن، ومبادئ الدستور وأسس الوفاق الوطني، والإنفجار الزلزالي لمرفأ بيروت الذي دمر أحياء عديدة من العاصمة، يبرز حجم الحاجة إلى تجربة رفيق الحريري المميزة في سرعة إتخاذ القرار، والإسراع في تنفيذ مشاريع الإعمار، والإقدام في توفير التمويل اللازم، من هبات ومساعدات وقروض ميسّرة من الأشقاء والإصدقاء، وتعزيز مسيرة التعاون والثقة في الداخل والخارج.

الذين واكبوا التجربة الحريرية عن كثب، يُدركون أكثر من غيرهم، أن الدمار الرهيب الذي خلفه إنفجار المرفأ في أحياء الأشرفية والجميزة ومار مخايل والرميل والسيوفي، وكل المناطق الأخرى في بيروت، شرقاً وغرباً، ما كانت ستبقى خراباً الذي نشاهده اليوم، وبعد مضي ستة أشهر ونيّف على وقوع الكارثة، وعدم الإهتمام المعيب بمساعدة ثلاثماية ألف عائلة مشردة من منازلها، وإبقاء أُسر مئات الشهداء بلا أية معونة تسد رمق أطفالهم وعيالهم.

لم يكن من السهل إسترجاع قواعد الوفاق الوطني التي أعاد إتفاق الطائف التأكيد عليها، بعد تلك السنوات من الإقتتال والإنقسامات والأحقاد، التي لم تقتصر على المعارك بين الطوائف وعبر خطوط التماس بين المناطق، بل إمتدت حتى إلى داخل الطائفة الواحدة والمنطقة الواحدة، كما حصل مثلاً بين القوات اللبنانية والعماد عون فيما سُمّي «حرب الإلغاء».

ورغم كل ذلك، إستطاع رفيق الحريري أن يُرسخ من جديد مفاهيم العيش الوطني الواحد، على قاعدة المناصفة بين اللبنانيين، بغضّ النظر عن الفارق العددي المتزايد في تركيبة النسيج الطائفي.

ورغم كل محاولات وصم شباب السنّة بالتطرف والإرهاب، خاصة بعد أحداث منطقة الضنية، فقد أفلح الحريري في دحض هذه الإفتراءات ومحاصرتها في دائرة الحدث الضيقة، وعمل على تظهير صورة الإعتدال والتسامح لأهل السنّة والجماعة في لبنان، والتأكيد على الحوار نهجاً وحيداً لحل الخلافات، والإقلاع عن اللجوء إلى العنف في الصراعات الداخلية.

على عكس ما نراه اليوم من أهل الحكم، بقي الرئيس الشهيد حتى الرمق الأخير يمارس سياسة إستيعاب خصومه السياسيين والحزبيين، وسلسلة الإجتماعات الأخيرة التي عقدها مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في مقره بالضاحية كانت الحلقة الأخيرة في محاولاته الهادفة إلى لمّ الشمل، وتجاوز الخلافات التي تُعيق تقدم البلد.

ولعل الإتفاق الذي ساهم بإنجازه عبر صداقاته الدولية، وخاصة الفرنسية، عام ١٩٩٦، وكرّس فيه حق المقاومة في تحرير الأرض، ومنع العدو الصهيوني من قصف القرى والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين، يُعتبر الإنجاز الأهم في دعم المقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي.

ذكرى إستشهاد الرئيس رفيق الحريري ليس يوماً لتعداد إنجازاته، بقدر ما هي فرصة لإستخلاص الدروس والعبر من نهجه وحرصه على الحوار والإعتدال والتسامح والتعاون مع الشريك الآخر لبناء الوطن وتعزيز مسيرة الوفاق والإنماء.

ما نجح رفيق الحريري في إنجازه … فشل الآخرون في تحقيقه!